الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الدول الغربية الليبرالية عملت منذ القرن الماضي على إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام. لا شك انها اعتمدت في اعادة هيكلتها على ركائز مختلفة من أهمها الليبرالية كمفهوم اقتصادي وسياسي واجتماعي. لذلك، اعتمدت هذه الدول على اعادة هيكلة مؤسساتها وفقا لما يتناسب مع ظروفها حيث أن إصلاح المؤسسات تختلف معاييرها من دولة الى دولة وفقا للظروف السياسية والاقتصادية.
من أبرز برامج الإصلاح للقطاع العام كانت برامج إصلاحات القطاع العام التي تم إطلاقها في كل من المملكة المتحدة ونيوزيلندا، حيث كانت أكثر شمولاً مما كانت عليه في الدول الغربية الليبرالية الأخرى. من أهم العوامل المؤثرة على الرغبة في تغيير الهيكلة في هاتين الدولتين هي ثلاثة عوامل مؤثرة داخليا: كلا البلدين عانوا من ضغوط اقتصادية قوية للتغيير ، وكلاهما لديهما ارادة سياسية عالية المستوى للتغيير ، وكلاهما لديهما مجموعة واضحة من الأفكار التي تنطوي على حلول جذرية للقضايا التي تواجههم.
لذلك ظهر ما يسمى بحوكمة العقود. وعند الحديث عن حوكمة العقود، لا يعني ذلك عقود المنافسات والمشتريات فقط، وإنما جميع أنواع العقود بما فيها عقود العمل و التوظيف، وتوزيع مهام العمل، والتدريب … الخ. اعتمدت استراتيجية اعادة الهيكلة للقطاع العام على فكرة أساسها تحسين خدمات القطاع العام من خلال تنوع أساليب المعالجة للقضايا الشائكة التي يعانيها مؤسسات هذا القطاع. من أهمها، البيروقراطية، تدني مستوى التدريب، ضعف ثقافة العمل، والمحاباة، وغيرها من المشكلات القانونية و الادارية. فمثلا، اهتمت هذه الدول على تقليل الهدر المالي في مؤسساتها، وهذا يعني لابد من وجود هيكل تنظيمي مرن شبيه الهيكل التنظيمي لشركة تويوتا. تتمثل إحدى سمات نظام Toyota في الاعتماد على “فرق عمل ديناميكية” متعددة المهارات حيث يمكن تجميع الفرق ونقلها الى فرق اخرى على حسب حاجة الشركة. يعتمد هذا النوع من أنواع الإدارة المرنة على تشكيل فرق عمل مؤقتة للمشروع بناءً على “خبرة الموظف واهتماماته”. بحيث يستعير المديرون بعض الموظفين لبضعة أشهر أو لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع للعمل في مشروع معين يحتاجون إلى إنهائه أو تنفيذه بسرعة. وهذه من الأساليب الادارية المتبعة حاليا، لكن لضمان تحقيقها لأهدافها، يجب انشاء مواثيق خاصة للمشروع إذ أن سرعة التنقل في هذه المجموعات المؤقتة يحتاج أسلوبًا من الحوكمة لتنسيق أنشطة ومسؤوليات الأفراد والمديرين.
كذلك هناك اسلوب اخر يطلق عليه أسلوب المؤسسات البديلة لتقديم الخدمات ASD. يعني هذا الأسلوب تقديم الخدمة البديلة من خلال عملية تغيير تقديم الخدمة من الحكومة إلى القطاع الخاص أو أي كيان عام آخر. قد يعتقد البعض ان هذا يعتبر خصخصة، لكنها ليست كذلك. ASD هي مزيجا بين اعادة تنظيم الوظائف واعادة الهيكلة. يستخدم في هذا الاسلوب خيارات بديلة لادارة القطاع العام بشكل يضمن تحقيق الأهداف. من ضمن هذه البدائل هي الشراكة مع القطاع الخاص، أو تفويض مهمة تقديم خدمة معينة للقطاع الخاص، أو إنشاء الوكالات المعنية بتقديم خدمات معينة.
في الواقع اعادة هيكلة القطاع العام ليس أمرا سهلا، لكنه ممكناً. لذلك، الدولة المتقدمة عانت الى ان تصل الى اساليب متنوعة تهدف الى تحقيق النجاح لتطوير القطاع العام. لذلك وجد ما يسمى بحوكمة العقود، والتي سأتكلم عنها بشكل عملي وتطبيقي في المقال القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال