الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تقرير وكالة الطاقة الدولية – واستكمالا لمقالة الأسبوع الماضي (المقال هنا) – تعدى مرحلة بث إشارات التحضير لمقارعة النفط والغاز ولكن البدء في حربهما بكل ما أوتي من قوة بالرغم من عدم واقعية الطرح فيه، خاصة أن تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكي التابعة للمنظومة الإحصائية الفيدرالية، والذي صدر في فترة رئاسة الرئيس أوباما قدم ما مفاده أن الطاقة المتجددة التي تغطي احتياج الولايات المتحدة من الكهرباء بنسبة 14% في عام 2014، سترتفع مشاركتها ولكن بنسبة ضعيفة حتى عام 2040 لأسباب فنية ولوجستية وتشريعية واستثمارية عديدة، وبالرغم أن هذه المشاركة وصلت إلى 17% في 2019، إلا آن التغطية عالميا حتى اللحظة لم تتعدى نسبة 11%، مما يعني أن أمام مصادر الطاقة المتجددة رحلة طويلة لكي تكون مجدية مقارنة مع مصادر الطاقة الأحفوري.
وحتى في حال ضخ استثمارات ترليونية لتمكين مصادر الطاقة المتجددة من الإحلال بالشكل المرغوب فيه ربما بحاجة لدعم آخر يتمثل في أن يكسر سعر خام برنت – نظريا – حاجز 140 – 160 دولار للبرميل، وهذا يمكن فقط حدوثه متى ما دخل العالم مرحلة بداية تحرك منحنى خصوبة إنتاج النفط بالسالب بعد حوالي 15 سنة من الآن، خاصة في الولايات المتحدة وروسيا والصين.
فكيف يمكن للدول المنتجة للنفط والغاز مواجهة هذه الحرب وخاصة الحملة الإعلامية الشرسة القادمة عليهم، في ظل أدوات إعلامية وعلاقات عامة وتواصل مع الجمهور مفقودة في العموم عند كثير منهم؟
بداية، لابد من معرفة كيفية مخاطبة الغرب لجمهوره منذ أن وعد الرئيس نيكسون أن تستقل أميركا ومن خلفها العالم من النفط في 1970، لكي يدغدغوا مشاعرهم لكسبهم ومن ثم حشدهم في شيطنة النفط والغاز والمنتجين.
كمثال، قدم فريق علمي في الطاقة المتجددة – في إحدى الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة والمؤمنة وبتطرف أعمى بهذا التوجه والتي لها تأثير قوي على الرأي العام الأمريكي – مشروع ضخم لاستبدال مصادر الطاقة الأحفوري بمصادر متجددة، وقد وضع هذا الفريق خارطة طريق تشرح كيف يمكن استبدال ما يقارب 85% من الطاقة الحالية بالرياح والمياه والطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وبنسبة 100% بحلول عام 2050.
يدّعي هذا الفريق بأن مصادر الطاقة المتجددة ستعمل لصالح خفض تكاليف الطاقة، بل والتكاليف الصحية وأيضا تكاليف المناخ على حد سواء، كما يمكن التحكم في البصمة المناخية الناتجة عن استخدام الطاقة المتجددة، والحفاظ على موثوقية الشبكات الكهربائية، كما أنه سيتم خلق المزيد من الوظائف في مصادر الطاقة المتجددة أكثر من مصادر الوقود الأحفوري.
بالرغم من أن مثل هذا الطرح قائم على احتمالات علمية وبنتائج افتراضية مبالغ فيها، إلا أنه يؤثر في الجمهور العام ويكسب تأييدهم خاصة مع استمرارية تكرار الطرح على مسامعهم، بينما هذا الفريق لا يتحدث عن تحديات الحياة والعمل مع مصادر الطاقة المتجددة، مثل أن محطات طاقة الرياح والشمس (حسب الظروف المناخية والمكانية) لها عامل قدرة أقل بكثير من المحطات التي تعمل بالوقود من النفط أو الغاز، والتي يمكن لها أن تعمل على مدار الساعة.
كما أن مثل هؤلاء العلماء يتجنبون التطرق لتقييم الأثر البيئي والاقتصادي بسبب عوامل سعة الطاقة المنتجة، وهي أمور مرتبطة باقتصاد الإنسان وحياته، هذا فضلا عن التلوث البيئي من مصادر الطاقة المتجددة وفيها ما هو مقلق بسبب المعادن الثقيلة المستخدمة (12 معدن على رأسهم الليثيوم والكوبلت والنيكل والنحاس)، وعمليات التنقيب المفزعة عنها ستكون كارثة بيئية في حد ذاتها، فعلى سبيل المثال مطلوب انتاج نحاس من الآن وحتى عام 2050 ما يعادل إنتاج البشرية على مر خمس آلاف سنة، والليثيوم يسيطر الصين على أغلبه ولابد من البحث عنه بعيدا عن هيمنتها أو الدخول في صراعات اقتصادية وسياسية من أجله.
أيضا، كثير من هؤلاء المتباكين على البيئة والمناخ يتجنبون التطرق إلى الانعكاس السلبي على موارد المياه بسبب مصانع السيارات التي تستخدم الكهرباء أو الهيدروجين كوقود والذي كثير لا يعلمه بأن هذه الصناعة تستهلك المياه العذبة بشكل مهول في إنتاجها، وهو ما بدأ يقلق بعض المهتمين بالبيئة خاصة في ألمانيا اليوم، أو الانبعاثات العالية جدا لهذه الصناعة لغاز ثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج، وهذه مسألة لا يتحدثون عنها.
بالرغم من عدم واقعية ما جاء في تقرير وكالة الطاقة الدولية بخصوص الاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفوري، إلا أن التحدي قائم في مواجهة التنظير الأكاديمي الدوغمائي (الجزمية المرفوضة شكلا وموضوعا في البحث العلمي) للماركسيين الجدد الذي لن يتوقف ضد النفط والغاز بحجة المناخ، ولابد من أخذه على محمل الجد والعمل على تبيان الكثير من حقائق الأمور في عدة مواضيع تهم الإنسان في هذا العالم، وهو ما سنختم به الحديث في مقالة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال