الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تكلمنا في المقال السابق عن أهمية التكتلات الاقتصادية لأي بلد وباهتمام السعودية بدعم العلاقات التجارية مع دول الجوار وكذلك اهتمام السعودية بدعم التكتل الاقتصادي العربي. والمتابع للشأن الإسلامي يرى أن هناك كتابات وبحوث كثيرة عن محاولات لتكامل إسلامي ولو بين دولتين فأكثر بجميع جوانبه لكن الذي يهمني هو هل إقامة مشروع تكتل اقتصادي إسلامي سهل على أرض الواقع؟
بالنسبة لي أنا أرى أن التكامل الاقتصادي الإسلامي صعب جدًا ولو حتى على المنظور البعيد ومن الممكن العمل فقط على سوق تجارة حرة أو اقصى شيء العمل على اتحاد جمركي بين دولتين اسلاميتين فأكثر. لأن هناك اختلافات سياسية بالمقام الأول قبل الاختلافات الاقتصادية لكن بالمقابل سوف نستعرض المقومات للتكامل الاقتصادي والنقدي بين البلدان الإسلامية وما هي المعوقات لحدوث ذلك.
يوجد هناك مقومات للتكامل الاقتصادي والنقدي بين البلدان الإسلامية وهي المقومات الإنتاجية والمقومات الجغرافية والفكرية. بخصوص المقومات الإنتاجية فإن الدول الإسلامية لديها مقدرات طبيعية ومتنوعة من حيث الموارد الزراعية (النباتية والحيوانية) حيث تشكل نسبة 20% من المساحة الزراعية على مستوى العالم وأيضًا الموارد البشرية حيث أن سكان العالم الإسلامي أكثر من مليار نسمة وينمو سنويًا بمعدل 5%. وأيضًا هناك الموارد المعدنية من ماس وذهب وكبريت وفوسفات ونحاس وحديد والمنيوم وفحم حجري وياقوت وغيرها. وفي الدول الإسلامية يوجد البترول في 35 دولة (45% من الإنتاج العالمي) والغاز الطبيعي في 25 دولة (80% من الإنتاج العالمي) والفوسفات (70% من الإنتاج العالمي) والالمونيوم (23% من الإنتاج العالمي).
بخصوص المقومات الجغرافية نجد أن الدول الإسلامية تتوزع على أربع قارات وتبلغ مساحتها 32 مليون كم2 أي ربع مساحة العالم وتطل على أهم المواقع العالمية من بحار ومحيطات ومضايق بحرية وأيضا لديها أنهار. بخصوص المقومات الجغرافية السكانية فالدول الإسلامية تمتلك ثروة بشرية هائلة وفي نمو حيث أن العامل السكاني مهم في التنمية، ومن ناحية المقومات الفكرية وهي من منطلق الدين الإسلامي والذي يحث على التكامل والشمولية وتوحيد الأمة.
بجانب المقوم المالي وهي الفوائض التي لدى الدول الإسلامية في البنوك والصناديق الاستثمارية الأجنبية حيث تقدر حجم رؤوس الأموال أكثر من 700 مليار دولار وحجم الودائع العربية في البنوك الأجنبية أكثر من 300 مليار وأيضًا تقدر استثمارات دول الخليج العربي خارج الدول الإسلامية بنحو 400 مليار دولار، وهذا الحجم الهائل من الأموال لو استثمر في البلدان الإسلامية لدعم وحقق أهداف وتقدم اقتصادي ملحوظ على أرض الواقع.
مع وجود هذا الكم من المقومات والمميزات للدول الإسلامية إلا أن هناك في الجهة المقابلة يوجد سلبيات كثيرة وشائكة تختلف بإختلاف الدول وأهمها هي التخلف والتبعية للغير بنسبة كبيرة ومن الممكن نلاحظها والشواهد كثيرة ومن الصعب ذكرها هنا لكن هناك بعض المعوقات الرئيسية للتكامل الاقتصادي الإسلامي وهي 1) انخفاض التبادل التجاري بين الدول الإسلامية حيث أن نسبة التجارة البينية إلى إجمالي التجارة الخارجية للدول الإسلامية هي 3.8% وبالمقابل نرى أن 80% من حركة التجارة الخارجية هي من الدول الأوروبية فيما بينها. 2) التخلف الصناعي حيث أن نسبة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي هو 30% فقط وثالث معوق هو 3) الفقر والديون و4) التباين في نظم الصرف الأجنبي ومن رأسمالية واشتراكية وبعض الدول تكون مختلطة وكذلك مدى حرية حركة رؤوس الأموال من بلد إلى آخر وأيضًا مسألة ربط العملات لكل دولة حيث البعض بسلة من العملات والأخر مربوط بالدولار ولا ننسى تعويم العملة كذلك. 5) وجود نقص في وسائل الاتصال الحديثة ووسائل النقل والمواصلات البرية والبحرية والجوية وضعف شبكة المعلومات في البنوك والمؤسسات المالية وهذه العوامل هي من أساسيات التكامل الاقتصادي والنقدي 6) مشكلة القطاع الزراعي والاعتماد على الاستيراد من الدول الأجنبية لسد الحاجة 7) مشكلة الفساد الإداري (وهنا الحديث يطول).
ولا ننسى أنه يوجد كذلك معوقات غير مباشرة أو غير اقتصادية وهي عوائق فكرية ومعرفية وكذلك عوائق سياسية. بخصوص العوائق الفكرية والمعرفية ومن ضمنها ضعف الأنظمة التعليمية والثقافية وعدم تشجيع الشعب على التعلم والاهتمام بالبحث العلمي وكذلك عدم الانفتاح والقدرة على الحوار والتعاون مع الآخرين.
آخر معوق وهو العائق السياسي حيث أن العامل السياسي مهم جدًا لاكتمال أي مشروع اقتصادي بداية بالمنطقة الحرة وصولًا للتكامل والاندماج الاقتصادي. الواقع يقول أن هناك عدم استقرار في الجو السياسي بين الدول الإسلامية وذلك لوجود عدم ثقة وتباين الأنظمة في سياساتها و ايديولوجيتها وطبيعة النظم السياسية والحديث هنا يطول حيث أن الوضع السياسي متشعب وشائك.
أخيرًا، الدول الإسلامية لا بد أن ترضخ للواقع مستقبلًا حيث أن توجه العالم إلى اتحاد كيانات اقتصادية والتطوير على حسب المستجدات والتحديات العالمية لذا يجب على الدول الإسلامية التفكير على إعادة التفكير بالتكتلات وتعزيز مفهوم التكامل الاقتصادي والتعاون من أجل مواجهة العولمة وتفادي المخاطر. ومن الممكن تقريب الأفكار والآراء وإعادة الصياغة لبناء مشروع مستقبلي حقيقي يضم عدد ليس بالقليل من الدول الإسلامية وتعزيز مفهوم التكامل الاقتصادي والتنموي بين الأقطار الإسلامية والوقوف أمام العولمة والتحديات والتكتلات العالمية الأخرى.
الغريب بالأمر أن التجربة الأوروبية فريدة من نوعها من حيث اختلاف الثقافة واللغة والاقتصاد والسياسة ورغم ذلك حدث الاتحاد في ما بينها وهي كما ذكرت سابقا أنها مثال حي لمرحلة من مراحل التكامل بين دول العالم كما صنفه الاقتصادي جاكوب فينر والسؤال كيف حصل التكامل الاقتصادي والنقدي الأوروبي؟
سوف نكمل عن هذه النقطة بالتحديد في المقال القادم … دمتم بخير
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال