الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التشريعات والقوانين ليست ماركة أو سلعة أو موديل يتم استيرادها من خارج الوطن. التشريعات والقوانين عبارة عن قيم وأعراف ومبادئ وممارسات؛ تتمخض من وجدان واحتياج وتجارب وتاريخ وإيمان الأمة الوطنية؛ لتنبعث وتتجلى خالصة بصور سياسات وتشريعات قانونية وإدارية، ومع مرور السنين لا تصبح بالية كما يتصور البعض؛ بلى تصبح قوانين وتشريعات عريقة أكثر أصالة وأكثر استقرارا واستيعابا لأحكام القانون.
التشريعات والقوانين يرافقها في فترة سريانها القانوني، وتطبيق أحكامها ما يسمى بالتجربة والممارسة، التي تلاحظ وترصد بذكاء أوجه القصور القانوني التي لم تواكب عملية نمو المجتمع وتقدمه وتطوره، تمهيداً لتطويرها وتحسينها ومعالجتها وسد الثغرات التي تتضح للسلطات القضائية والتنفيذية أثناء تطبيق القوانين وإبان الممارسة العملية، وتطبيق أحكام القانون على أرض الواقع، لتزداد التشريعات الوطنية جمالًا ورونقًا وأصالةً وحبكة ومتانة واستقرارا.
التجربة هي الأداة الرئيسية لتطوير التشريعات. أما ما يسمى بالبنش مارك (benchmark) فهو علم يهتم بقياس أداء كيانات أو تشريعات مقابل أداء كيانات أو تشريعات مناظرة أو منافسة في الدولة الواحدة أو الدول المتعددة، وصولًا لأفضل التجارب السائدة. فهو بمثابة علم من علوم المقارنة يُبحث من خلاله عن أوجه التقارب والاختلاف والمفاضلة بين المدارس والتجارب المختلفة؛ لاستقاء أفضل الأفكار والقوانين الدولية المناظرة للتجربة الوطنية، أي أن (البنش مارك) هو أحد أساليب تعزيز وتطوير القوانين الوطنية، ولكنه ليس الطريقة الرئيسية في تطوير التشريعات. ورغم ذلك الملاحظ في السنوات الأخيرة أن بعض المهتمين بتطوير التشريعات الوطنية أصبحوا ينظرون للتشريعات وكأنها سلعة أو موديل يتم استيراده من الخارج (بقراطيسه) ليصطدم لاحقًا مع الطبيعة القضائية والإدارية والمجتمعية، خالقًا قوانين وتشريعات تبدأ آثار الخلل والثغرات والتصدع واضحة عليها خلال عام أو عامين، فتسارع الجهات المعنية لمعالجتها وتعديلها. وذلك نتيجة إهمال دور التجربة كأداة رئيسية لتطوير التشريعات، والاكتفاء (بالبنش مارك) الذي يعد أحد أدوات المقارنة وتطوير وتنقيح التشريعات، ولكنه ليس الأصل الأصيل في عملية تطوير التشريعات والارتقاء بها نحو الأفضل والأجود.
أدعو كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى مراعاة التجربة والإبقاء عليها كأداة رئيسية لتطوير التشريعات لأنها ملامسة للواقع، وتلبي احتياجات المجتمع بفاعلية، وتنسجم مع طبيعتنا القضائية والإدارية والمجتمعية، ويبقى اللجوء إلى (البنش مارك) للاستئناس بالممارسات الدولية وتطعيم الأنظمة والقوانين الوطنية بما يعزز جودتها من التجارب الدولية، وليس هدم التشريعات الوطنية بالكامل وجلب قانون جاهز (بقراطيسه). دمتم ودامت تشريعاتنا محافظة على أصالتها وعراقتها واستقرارها، وتطورها النابع من وجدان الممارسة والتجربة على الأرض؛ مع الاستفادة من أفضل التجارب الدولية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال