الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في القرن العشرين؛ كان هناك نضال استمر طويلا من أجل انتزاع حقوق العمال من المصانع والشركات التي يعملون بها، إلى أن أصبحت حقوق العمال واضحة وثابتة عالمياً، وتم انشاء العديد من المنظمات والاتحادات العمالية التي تهتم بحقوقهم. لكن مع بدايات القرن الواحد والعشرين، ومع انتشار التقنية بشكل كبير، بدأت تغييرات كبيرة تظهر في مجتمع العمل والعمال، وبدأت الحواجز المكانية والحدود الإقليمية تنهار، فأصبح بإمكان المنشآت والأفراد التواصل مع بعضهم البعض من أي مكان وفي أي زمان.
مع مرور الوقت وبشكل تدريجي بدأ التأثير يظهر على نسبة العاملين الحاصلين على عقود دائمة أو عقود طويلة الأجل، وبدأت تظهر أشكال متعددة من القوى العاملة غير المستقرة، والمقصود بهم؛ العاملين الذين يفتقرون إلى الأمان الوظيفي، وغير الحاصلين على عقود عمل، مثل الكثير من العاملين بالمشاريع والأجور اليومية، سائقي سيارات التوصيل لشركات مثل أوبر وكريم وتطبيقات توصيل الطعام، فهؤلاء لا يتقاضون أجورا ثابتة ولا يتمتعون بمميزات وفوائد حقيقية، كذلك أصحاب العمل الحر على الانترنت، وأصحاب العقود غير الرسمية.
هنا يجب أن نفرّق جيدا بين بعض أشكال العمل عير المستقر التي تم ذكرها، وبين العمل عن بعد كنموذج عمل، والذي سُيصبح جزء أساسي من مستقبل العمل، فالعمل عن بعد قد يكون مستقرا بعقود رسمية مع منشأة، وقد يكون غير مستقر كتنفيذ بعض المشاريع والمهام المؤقتة.
هناك تحديات رئيسية تواجه القوى العاملة غير المستقرة، أبرزها قلة فرص التقدم الوظيفي؛ فبسبب العمل الحر، يُصبح من الصعب إثبات وتوثيق التاريخ الوظيفي، مما يجعل من الصعوبة أن يتقدم صاحب العمل الحر إلى وظائف في مستويات أعلى.
كذلك انعدام الأمان الوظيفي؛ فعلى الرغم من تمتّع صاحب العمل الحر ببعض المزايا، تتمثل أكثرها أهمية في المرونة التي يستطيع من خلالها تحقيق توازن أكبر بين الحياة والعمل، إلّا أن هناك تحدي كبير مقابل ذلك، يتمثل في مدى ضمان استمرارية العمل والتدفق المالي، فبسبب التأثر بأي ظروف خارجة عن إرادته، قد لا يقوم بالمهام المطلوبة منه، أو قد تقل المشاريع والمهام المطلوبة في فترة من الفترات، مما يؤثر على دخله؛ وهو ما يُسبب ضغط نفسي مستمر على العامل بسبب انعدامه الوظيفي.
أيضاً، بسبب عدم وجود عقود عمل تابعة لمنشأة، فغالبا لا تتمتع القوى العاملة غير المستقرة بالمزايا والفوائد التي يحصل عليها الموظفون بدوام كامل، مثل الاشتراك في التأمينات الاجتماعية، والتأمينات الطبية المميزة، والاجازات مدفوعة الأجر، والمكافآت، والحوافز، وغيرها.
وعلى الرغم من وجود كل هذه التحديات، إلا أن هناك دور كبير للعمل الحر في المجتمع وسوق العمل؛ فالعمل الحر قد يتناسب مع العديد من فئات المجتمع التي قد يصعب معها العمل بدوام كامل، كذلك تحتاج المنشآت ومديرو المشاريع في الكثير من الأوقات بعض العاملين الإضافيين لتنفيذ بعض المشاريع في أوقات محددة، وبالطبع الخيار الأمثل يكون الاتجاه نحو أصحاب العمل الحر بدلاً من التوظيف الدائم.
لذا أرى أنه من الواجب علينا جميعا دعم ومحاولة تقليل التحديات التي يواجهّا أصحاب العمل الحر، وذلك لمصلحة الجميع؛ ومن أهم النقاط التي ينبغي العمل عليها هي توفير بيئة وهيئة لدعمهم سواء تدريبياً، وتوفير بعض المزايا التي يمكن أن يحصلوا عليها، والحقيقة قد خطت المملكة ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، خطوة مهمة وأولية في سبيل تحقيق هذا الدعم، من خلال إطلاق منصة العمل الحر، والتي تتيح لأصحاب الاعمال الحرة التسجيل الاختياري في التأمينات الاجتماعية، وهو أمرٌ جيدٌ جدا، ونتمنى أن نرى من المنصة مستقبلاً المزيد والمزيد من الخطوات والدعم.
من المهم أيضا، مراعاة الحقوق المادية والمعنوية لأصحاب العمل الحر أثناء العمل معهم، كذلك تقديم المنشآت التي تتعامل بالعقود المؤقتة أو وفق المشاريع، بعض المزايا والفوائد للعاملين بهذا النظام أسوة بالعاملين بالدوام الكامل.
أخيرا؛ أرى أنه من الهام جدا إلقاء الضوء والاهتمام بهذا الموضوع، لما له من تأثير بشكل كبير على المجتمعات، خصوصا بعد جائحة كورونا، التي أثرت بشكل كبير على زيادة نسبة القوى العاملة غير المستقرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال