الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد تقديم لمحة سريعة في الجزء الأول عن أهم المقترحات التي تقدمت بها وزارة التجارة البريطانية تحت مسمى “إعادة الثقة في التدقيق وحوكمة الشركات” في هذا الجزء الثاني سنكمل حديثنا عن المبادئ المبتقية وهي: الحديث إلزام الشركات في الكشف عن مجموع كامل الأرباح المجمعة القابلة للتوزيع, استقطاع أو حتى استرجاع المكافأت لأعضاء المجلس من خلال تضمين بنود للجنة المكافآت, مناقشة الوضع السلبي في احتكار ٤ شركات المعروفة باسم (Big 4) وطرح عدة خيارات كالتشارك في التدقيق, إلزام المدقق في الأخذ بنظرة مختلفة لمفهوم التدقيق أبعد من لغة الأرقام لتعزيز من شفافية التقارير المالية حتى الأخذ في الحسبان تصرفات أعضاء المجلس وغيرها من المقترحات التي تراها الوزارة مهمة جداً لاسيما بعد الأحداث المؤسفة للشركات البريطانية ومؤخراً السقوط المروع للشركة الألمانية “Wirecard” ,كما يذكر الوزير البريطاني في المقدمة.
يلتمس القارئ الجدية في وضع أعضاء الإدارة في وجه المدفع وجعلهم أكثر عرضة للمحاسبة خاصة في حالة إفلاس الشركات بعد إعلان توزيعات أرباح. فكما يعرف أغلبنا هناك أمور يجب الأخذ بها عند إعلان توزيع الأرباح وهي المحافظة على رأسمال الشركة كحق للدائنين وتوزيع الأرباح للمساهمين. فمن القواعد الحوكمية المقترحة والتي أعتقد ستكون عرضة للجدل هي المتعلقة بالشفافية في توزيع الأرباح حتى لا يكون هناك توزيعات صورية. فعلى الرغم من وجوب -حسب قانون الشركات- أن تكون الأرباح حقيقية ولكن يرى التقرير هناك تراخي في تفعيل ذلك خاصة إذا قامت الشركة بالاستحواذ على شركات أخرى أو بيع شركة تابعة أو أصول مما له الأثر على ربحية الشركة أو التقديرات المستقبلية. لهذا سيتوجب على الشركات ليس فقط في إعلان آلية توزيع الأرباح كما هو الإلزام الحالي ولكن أيضاً على الشركات أن تفصح عن كامل مجموع الأموال القابلة للتوزيع في التقارير المالية السنوية يشمل ذلك حتى الشركات القابضة التي تسيطر على عدة شركات أخرى من حيث وجوب إعلان التقديرات التقريبي للمجموع والذي سيوزع للشركة القابضة عن طريقة شركاتها التابعة.
ولم تكتفي قواعد حوكمة الجديدة في الحث على شفافية توزيع الأرباح, بل على أعضاء المجلس التزاماً في نفس الوقت وهو إعلان إن تلك التوزيعات لن تعرض الشركة إلى المخاطر أو الإفلاس لسنتين منذ إعلان توزيع الأرباح. وهذا العرض مهم للمستثمر حيث يكون له القدرة في تكوين فكرة عن قدرة الشركة في دفع أيضا الأرباح المستقبلية بالاطلاع على الاحتياطات القابلة للتوزيع, وتقييم قانونية توزيع الأرباح لسنة مالية ما. وحقيقة ذلك الإعلان سيلعب ذلك التأكيد في تقدير مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة لو تبين العكس خاصة إذا تدهورت الشركة ماليًا.
إلى جانب المسؤولية الجماعية عن التقارير المالية, فهناك توجه آخر أعتقد سيكون هناك له ردة فعل قوية تجاهه وهو المقترحات المتعلقة في تنظيم لجان المكافآت للشركات المدرجة. تِلزم القواعد المقترحة إلى تضمين في عقود أحقية الشركات في أسترجاع أو اقتطاع المكافأت المالية التي ممكن أن يتحصل عليها العضو مستقبلًا. فعلى الرغم من وجود ذلك الإلزام على الشركات المدرجة البريطانية فيما يتعلق لو التقديرات المالية غير صحيحة ولكن الهدف هنا هو توسيع نطاق ذلك. فمن النادر مثلاً وجود مثل هذه الجزاءات فيما إذا كان فعل العضو له الأثر السلبي على سمعة الشركة أو فشل في إدارة المخاطر أو المراجعة الداخلية للشركات.
ويضع المشروع عدة مقترحات وبنود يكون للشركات أخذها في الحسبان عند إثارة مسألة حق الشركة في استرجاع تلك المكافآت. وعلى الرغم انها كبداية حصرت في الشركات المدرجة ولكن قد يذهب المشروع إلى الاقتراح لتعديل ذلك ليكون ملزم لكل الشركات المدرجة البريطانية عن طريق تعديل لائحة الإدراج للشركات في السوق البريطاني.
وهناك قواعد جديدة تحاول تنظيمها لأول مرة قواعد حوكمة الشركات البريطانية تتعلق بمسؤولية أعضاء مجالس الإدارة ولجنة التدقيق فيما يتعلق في معالجة وسائل الاحتيال أو الحد منها. فعلى مجلس الإدارة إعلان الخطوات التي تم أخذها المجلس في كشف تلك الوسائل الاحتيالية وفي نفس الوقت هناك واجب على المدقق في إعداد تقرير يقيم بشكل واضح هل الخطوات التي اتخذها المجلس كانت كافية ومناسبة. ومن هنا يأتي التلميح الجديد وهو إعادة النظر في أهمية الخبرات العملية لدى المدقق المالي وكيفية التعامل من تحقيق والتعامل مع الإثباتات والتحليل. ولتحفيز التعاون بين المساهمين ومراجع الحسابات هناك رغبة من المشرع البريطاني في إعادة النظر في تلك العلاقة مثلا دعوة رئيس لجنة المراجعة للحضور للجمعيات العامة وإجابة أسئلة المساهمين على الحد الذي لا يكون معه مسؤولية قانونية على المدقق خاصة في كشف الأسرار أو معلومات قد تضر بالشركة.
ومن أجل تعزيز تخفيف الضغوط على المدقق -على الرغم من تنظيم ذلك تحت قانون الشركات البريطاني ولكن من النادر أن يتم إخطار المساهمين بذلك- فالاقتراح هو في حالة مغادرة أو الاستقالة للمدقق يجب أن يتم توضيح الأسباب التي أدت لمغادرته أو الاستقالة, هل المغادرة لخلاف مع لجنة المراجعة, أو لعدم التعاون من داخل الشركة, إشكالية بينه وبينه إدارة الشركة؟ على الرغم من التوجس فيما قد يلحق المدقق في حالة كشف عن معلومات وأسرار ولكن هذا الالتزام يعكس رغبة المشرع البريطاني في توضيح للسوق وللمساهمين مالذي يحصل خلف الستار والأسباب الحقيقية للمغادرة. ولم يكتف المشروع إلى هذا الحد, بل قد يكون للهيئة الجديدة ((ARGA المقدرة في أن ترسل مندوباً ليحضر لجنة المراجعة لأي من الشركات المعنية متى ماكان هناك شكوك للهيئة الجديدة في عدم التزام لجنة المراجعة بالالتزامات. وحتى صلاحية تعيين العضو المستقل في لجنة المراجعة ولكن بعد الانتقادات الواسعة تراجعت الوزارة عن ذلك المقترح حيث خشي البعض سيكون هناك الخلط بين سلطتها التنظيمية وعملها في التعيين ولكنها لم تقفل الباب في المستقبل بالذات في الحالات عندما يصعب على الشركة تعيين مدققًا ماليًا.
ولم تغفل القواعد المقترحة من نقاش -الفيل الأكبر- وهو قلة شركات التدقيق والوضع المحتكر من قبل الشركات التدقيق الأربع المعروفة تحت اسم (Big 4) المحتكرة مايقارب ٩٧٪ من أعمال التدقيق للشركات البريطانية المدرجة والذي صعب من فتح المجال للشركات التدقيق الأخرى في التطور أو دخول شركات تدقيق جديدة, فيطرح المنظم البريطاني سؤالاً معقول وهو إذا لم يكن هناك إيرادات لشركات التدقيق الأخرى فكيف سيتطور سوق التدقيق البريطاني؟ ناقش المشروع هذه المسألة بشكل مطول ونتائج كل خيار فمثلاً أما الشراكة بين شركة تدقيق كبرى وأخرى صغرى -يسميها مشروع القانون الجديد (Challenger ) – ولكن هناك تخوف أن يترتب عن ذلك نتائج سلبية في خضوع شركة التدقيق الصغيرة على الكبرى. والمقترح الآخر هو التوزيع الحصصي-السوقي ولكن خشى المنظم البريطاني في أن تقوم الشركة الكبرى في التخلص من الشركات الأقل ربحية أو من العمليات المعقدة إلى السوق لتلقتطها شركات التدقيق الصغيرة. لهذا المقترح المفضل هو أن تقوم الشركات المدرجة بشكل مباشر في الاستعانة بجزء من التدقيق لشركة أخرى صغرى (Challenger ), وبشرط ألا يكون ذلك الجزء المدقق بالتافه مثلًا إعادة تدقيق شركات تابعة للشركات الأم ولكن لا تصل إلى المسؤولية التضامنية بين شركات التدقيق المعروفة وهي خطوة جيدة في تقوية الشركات الأقل حظًا حتى تقف على أقدامها.
ولكن يتبقى سؤالين وهو تعريف تلك الشركات “تشالنجر” حيث تذهب القواعد هي تلك الشركات التي إيراداتها من تدقيق الشركات المدرجة اقل من 15% وأيضًا ماهو “ألا يكون تافهًا” فيرى المشروع مثلًا أن تقوم “تشالنجر” في تدقيق الشركات التابعة لشركة قابضة. وأيضًا لم يغلق المشرع البريطاني بل توعد أن يكون مزيدًا من الإجراءات في حالة لم تتحسن المناخ التنافسي في سوق التدقيق كسقف أعلى للشركات الكبرى (Market Cap). والحقيقة أعتقد على رغم من الحماس لدى المشرع البريطاني ولكن يتبقى أن نتساءل هو كيفية تقدير المسؤولية التضامنية على أرض الواقع, القدرة لمثل هذه الشركات في التكيف بسرعة وتعيين ماتحتاجه من موظفين وغيره أو في حالة الخلاف بين مجموعة التدقيق-الكبرى والصغرى-للشركة؟ .
وبشكل عام هذه مقترحات مهمة جداً في تعزيز أدوار أعضاء مجالس الإدارة وعمل التدقيق وهذه خطوة تحسب للمنظم البريطاني لا سيما في وقت تحاول الكثير من الدول في جذب أكبر ممكن من الشركات والاستثمار لإسواقها ونرى المنظم الياباني يحاول إعادة تغيير قواعد الحوكمة الشركات ونرى هيئة الأوراق الأمريكية أيضاً في مثل هذا الطريق خاصة في حوكمة الاستثمارات النظيفة. ولكن فعلى الرغم من أهمية قواعد حوكمة الشركات ولكن يجب دراستها بالشكل الذي لا يغفل عن أهمية التكلفة العالية الذي تتحملها الشركات في الالتزام بتلك القواعد ولكن لا يعني من الحديث هنا هو التراخي في التطبيق وتفعيل قواعد الحكومة ولكن يجب دراسة القواعد القانونية بما يناسب البيئة لكل دولة على حدا بما يناسب قوة ومتانة المؤسسات المالية والقانونية لكل سوق ويأتي هنا دور الإعفاءات بالذات للشركات الجديدة بالشكل الذي لا يكون هناك عشوائية في تطبيق قوانين الحوكمة أو التخبط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال