ما قبل التواصل الفعّال

في مقالنا السابق الذي يتحدث عن التواصل الفعّال وأثره في تحقيق الأهداف، ذكرنا أهمية ترتيب وتنظيم التواصل والدور الذي لعبته اللجنة الوطنية الصناعية بمجلس الغرف السعودية بدورتها 1438- 1441 في تجربتها في التواصل والتخطيط المنظم الذي نتج عنه دعم كبير في تلبية كثير من مطالبهم وتحقيق الأهداف وإنشاء وزارة خاصة بالصناعة والثروة المعدنية دعمًا للقطاع الصناعي.

في هذه المقالة سأركز على أهمية التخطيط ما قبل التواصل، وأن التواصل الفعال لا يأتي ضربة حظ أو توافق غير مقصود!
لا يمكن لتواصل أن يكون ناجحا ما لم يكن هناك جبل جليدي من التخطيط والتجهيز والعمل المستمر.
التواصل هو الجزء الأخير ما قبل قطف الثمار، لذلك، فالعمل على التخطيط والتأسيس الصحيح هو أفضل ما يمكن البدء به.

إن أهم عملية في تحقيق تواصل فعال وجني أهداف رائعة، هو تكوين فريق متميز:
*اكتشاف القدرات
*واختيار الأشخاص
*وبناء المفاهيم الأولية للعمل
*بناء حوكمة الفرق والعمل
*تحديد النطاق والأهداف
وهذا هو أصعب جزء في منظومة العمل الناجح.

الفريق المتماسك، الذي يثق بعضه ببعض، يمكن له أن يشق طريقه في وسط الجبال حتى وإن قلّ عدده، بخلاف الكثرة في الفريق وتشتت الأهداف واختلاف التوجهات بين الأعضاء فإنها لن تمكنهم من السير على الطريق المعبّدة!

هذه التجربة التي نتحدث عنها الآن ليست إطراء بقدر ما هي حقيقة، من المهم جدا معرفتها واكتشاف أهم إنجازاتها ومميزاتها لتكون درسا نافعا للمستقبل، درسًا يستفاد منه لكل من القطاع العام والخاص، وحتى لكل من يريد أن يحقق إنجاز أو يصل إلى هدف معين.

بالطبع لم يكن العمل واختيار الفريق والتمويل وبناء العلاقات في تجربة اللجنة الوطنية الصناعية، لم يكن ذلك كله سهلا وبسيطا، بل كان جبلا بوجه فريق العمل وقائد الفريق، ولكن الإصرار على تحقيق هدف معين لابد أن يتحقق -بإذن الله-.

ليس الاختلاف دائما تنوعا جميلا، بل يكون في مرات كثيرة عائقا كبيرا أمام الإنجاز والعمل، اختلاف الأهداف، المصالح، المناطق، الرؤى، التوجهات، المنهجيات، وهنا يكون دور قائد الفريق بتوحيد التوجهات لتحقيق هدف كبير وشامل يمكن من خلاله تحقيق الأهداف الصغيرة والمتفرقة.

هذه النظرة الاستراتيجية الشاملة أهم ما يميز القائد بالتخطيط الذي يضمن تحقيق مطالب كبيرة ذات أثر مستدام، وليست أهدافا ضيقة ذات مردود محدد، وذلك ما حققه فريق العمل في اللجنة الوطنية الصناعية حينها، باستصدار أوامر سامية وقرارات حكومية ذات أثر كبير وعام، مكنتهم من تحقيق الأهداف الفرعية الأخرى فكانت بداية الطريق في تأسيس وزارة جديدة للصناعة تهتم بمختلف جوانب القطاع وتساهم في تمكينه وحمايته.

كما ينبغي على فريق العمل أن يكون مفوِّضا وواثقا بقائد الفريق، وأن يعمل ضمن التوجهات التي رسمت له وشارك هو في بنائها، وإلا ما فائدة قائد جيد أمام فريق مشتت؟!

لا يمكن إطلاقا جعل الجميع ضمن تصور واحد وعلى طريق واحدة، ولكن من المهم ألا يكون هناك اختلاف جذري في التوجهات، ولا شرخ كبير في المفهوم، وهو أمر يقع على عاتق الطرفين (قائد الفريق، الأعضاء) بأن يتوصلوا إلى نقطة تلاقٍ تمكنهم من تجاوز العقبات، والتنازل عن الفروقات التي يمكن تأجيلها لحين تحقيق أكبر إنجاز لديهم، وهذا ما يجعل قائد الفريق في بعض الأحيان صاحب رأي صارم يلزم فيه من تحته ويجبرهم عليه، وذلك لمصلحة الجميع ولكي تستمر السفينة في الجريان ولا تغرق.

ما قبل التواصل الفعال هناك تخطيط صحيح، ونظرة شمولية، وتفكير استراتيجي، ليثمر ذلك بعمليات اتصال صحيحة وذات أثر عالٍ.
ما قبل التواصل الفعال هناك فريق عمل مخلص، وقدرات وإمكانات كبيرة، ومحاور متفق عليها، وقائد لديه صلاحيات تمكنه من اتخاذ القرار وتحقيق الأهداف.