الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا تتوقف التحديات المفصلية على ما تم ذكره في المقالتين السابقتين (الأولى هنا والثانية هنا)، ولكن هناك الكثير من ضمنها منحىً دقيقاً يفرض نفسه، فواقع أن معظم هذه العناصر الأساسية المطلوبة لاستبدال مصادر الطاقة من أحفوري إلى نظيف تقع في مناطق مثل أمريكا اللاتينية وإفريقيا، يرجح أن تصبح هذه المناطق الغنية بالمعادن أهدافا استعمارية من جديد، بغرض السيطرة على هذه المعادن.
توجد دلائل كثيرة في التاريخ تدعم هذه الفرضية المقلقة، فقد حدث ذلك في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر مع البحث عن الذهب والفضة في أمريكا الجنوبية، وللسيطرة على مزارع القطن والسكر في حوض النيل ومنطقة البحر الكاريبي، والشاي والأرز والبهارات في شبه الجزيرة الهندية، وفي القرن العشرين للسيطرة على مناجم الماس في جنوب إفريقيا، والكوبالت في الكونغو، والنفط في الشرق الأوسط.
لذلك، تدافع القوى الدولية للسيطرة على مواقع ومناجم عناصر انتاج الطاقة النظيفة ليس أمامه سوى أن يأخذ نفس النهج وبشكل تنافسي، وهو حاصل بالفعل على أرض الواقع ولكن بسيناريوهات ناعمة الملمس، مثل التزاحم الحاصل على إفريقيا من خلال مبادرة “مارشال الخضراء” لمجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة، وقد سبقتها الهند لتحتل مركز الشريك الاستراتيجي الثالث للقارة السمراء، وروسيا من خلال توقيع 40 اتفاقية تعاون استراتيجي في مجالات عديدة، منها توطين تقنيات التعدين ومعالجة المعادن والتعاون الأمني مع 50 دولة إفريقية من مجموع 54 دولة في عام 2019، والصين التي سبقت الكل بمبادرتها المعروفة بإسم “الحزام والطريق” التي أغرقت فيها أغلب الدول الإفريقية وعدد من دول آسيا بمديونية فاقت مبلغ 5 ترليون دولار أمريكي.
وعودة للسؤال الذي هو عنوان المقال عن مدى استدامة الدفاع عن الطاقة النظيفة حتى 2050 أمام ما سيكون من تبعيات لحراك الاستبدال القسري لمصادر الطاقة، ربما لم يحن الوقت بعد للإجابة بقناعة مطلقة على هذا السؤال الآن، خاصة أن هناك إهمال تام من قبلهم لمسألة تكاملية المصادر وعدم إعطاء الوقت وقته للعمل على تطبيق واعي لحماية المناخ من أخطار ما هو خطر بالفعل مثل الفحم الذي يمثل 26% في مصادر الطاقة والمسؤول عن 72% من اجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من جهة، وحماية البيئة من التعدين الشرس المهدد للنظم البيئية من الجهة المقابلة، وأيضا اهمال لعامل التكلفة الباهظة لهذا التوجه.
وبينما الصدام بين المدافعين عن المناخ والمدافعين عن البيئة واقع لا محالة، هناك أيضا المدافعين عن مصادر الطاقة الأحفوري المهملين لحقيقة أن البحث العِلمي يتطور بشكل متسارع في هذا المجال، ويمكن أن نرى سيناريوهات وابتكارات جديدة يكون فيها الكثير من الاستغناء عن التعدين، إلا أن الحراك الحالي على أرض الواقع لا يشجع على الافراط في التفاؤل بمخرجات البحث العلمي في هذا الصدد بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية، على الأقل في المستقبل المنظور.
لذلك، وبما موجود بين الأيادي اليوم من بعض التقنيات المجدية وأخرى تحتاج إلى وقت لتصبح منافسة، غالبا سيواجه تيّار الاستبدال القسري لمصادر الطاقة الكثير من المفاجآت من صدامات ونزاعات وتراجعات ومناورات وإعادة صياغات في طيات هذا الملف الذي لن يصمد طويلا – براديكاليته اليسارية الحالية سياسيا وعلميا – وبالمنظور الوقتي الضيق جدا الذي وضع فيه أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية ليست بالهزل، وفي عالم لا يعيش بعقلية القرون الوسطى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال