الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل سيكون النجاح حليف الصين في أفغانستان فيما عجزت أن تنجزه عسكرية الاتحاد السوفيتي قديما ومن بعدها الأمريكية؟
بينما تستعد الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان (الموعد الرسمي في 11 سبتمبر القادم) يتحضر الصين لملىء الفراغ الذي ستخلفه القوات الأمريكية وقوات الناتو المغادِرة، ولكن الحضور الصيني ليس عسكريا بل مدنيا واقتصاديا من الدرجة الأولى، خاصة أن أفغانستان قد سئمت الحرب وتتطلع للسلام.
كان الاتحاد السوفيتي يطمح للوصول إلى المياه الدافئة (الخليج العربي) ولكنه فشل في غزوه لأفغانستان، لتأتي الولايات المتحدة – بحجة اعتداءات 11 سبتمبر – بحلم مد خطوط أنابيب للنفط والغاز من آسيا الوسطى ومرورا بأفغانستان وباكستان لإيصالها إلى بحر العرب، حتى تقطع الطريق على روسيا من أن تمتد هذه الخطوط عبر أراضيها وفشلت هي أيضا، بل وفشلت في أن تفتح الأبواب لشركاتها للتنقيب عن النفط والغاز في أرض الأفغان (بالرغم من انصياع الحكومة الأفغانية لها في الوقت الذي كانت تحلم فيه بالتعاون مع الصين)، ولينعم الصين في آخر المطاف بكل الأحلام السوفيتية – التي أنهارت بعد ثلاث سنوات من هزيمتها في أفغانستان – والأمريكية، ولكن بالتنسيق مع حركة طالبان التي يظهر بأنها مؤهلة لتستعيد سيطرتها على أفغانستان من جديد.
بينما تعمل الحركة – التي كان للباكستان دور هام في تأسيسها – على بسط نفوذها على الرقعة الأفغانية حاليا، يعلن المتحدث الرسمي للحركة سهيل شاهين بأن طالبان تعتبر الصين صديق لأفغانستان، وتأمل الحركة في البدء في مفاوضات جادة مع بكين حول الاستثمار في أعمال إعادة إعمار أفغانستان وفي أقرب فرصة ممكنة، ويدعم هذا الإعلان في المقابل ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان الشهر الماضي أن الصين تجري بالفعل محادثات مع أطراف ثالثة بما فيها أفغانستان حول تمديد الممر الصيني الاقتصادي.
واضح بأن أفغانستان تدرك جيدا بأنها تظهر بلا ضبابية تشوبها على خارطة “الحزام والطريق” الصينية (BRI)، وغالبا ستسمح بدخول الصين بشكل حصري، خاصة أن أفغانستان بحاجة ماسة إلى الاستفادة من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) الذي يبلغ قيمته 62 مليار دولار، والمعتبر بمثابة المشروع الرئيسي لطريق الحرير الجديد بما فيه من طرق سريعة وسكك حديدية وخطوط أنابيب للطاقة بين الصين والباكستان، وتقدم الأرض الأفغانية دعم لمشروع الصين في بناء تواصلها البري مع الباكستان من جهة وإيران بكل سلاسة من الجهة المقابلة، ليصل الممر الصيني بسلاسة إلى أوروبا.
حاجة الصين لتوسيع مبادرة “الحزام والطريق” عبر أفغانستان ملحة جدا كي تكتمل منظومة خطة ربط 60 دولة في المبادرة الصينية، ولكن في المقابل هذا يحتاج إلى ترسيخ السلام فيها، لذلك يستعد الصين إلى تقديم مليارات الدولارات في مشروعات البنية التحتية والطاقة مقابل السلام في أفغانستان، فهذه الأرض المتوسطة تحقق للصين أهدافه الاقتصادية والأمنية طويلة المدى، وفي هيئة بناء قاعدة استراتيجية لنشر نفوذه في جميع أنحاء العالم، فأفغانستان في موقع مثالي لتكون بمثابة الموصل الوسيط التجاري الذي يربط بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوروبا.
لا نعرف على وجه الدقة إذا كان ما يحصل هو ضربة حظ للصين أم أن هناك ما يسمى باتفاق تكامل مهمات “غير مُحبّر” بين الصين والولايات المتحدة في هذا الخصوص، لا سيما أن الصين يمكن له أن يتيح فرصة تحقيق الحلم الأمريكي في مد خطوط أنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى بحر العرب وقطع الطريق على روسيا، وأعمال التنقيب عن النفط والغاز في باطن الأرض الأفغانية.
احتمالية هذا السيناريو قائمة، فبالرغم من أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين منهجي في جميع المجالات من التمويل والتجارة والاقتصاد إلى التكنولوجيا والدفاع والسياسة والدبلوماسية، إلا أن دائما هناك منطقة تقاطع مشتركة بين القوى الكبرى، يكون فيها تكاملية مصالح وتوزيع مهام ومكاسب بحيث مالا يستطيع السلاح أو السياسة صنعه يقوم به الاقتصاد، وما لم يقدر عليه الجاموس الأمريكي (البافيلو) في أفغانستان، يمكن للتنين الصيني تحقيقه، إلا إذا كان للدب الروسي العنيد رأي آخر، خاصة إذا كان مدعوم بلدغات الكوبرا الهندية السامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال