الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يتوجَّه المحامي إلى تأسيس شركة محاماةٍ أو الدخول كشريكٍ فيها، فإنَّ الهاجس الأول لديه يكون حول مستوى الحرية في ممارسة المهنة، وما إذا كان مدير الشركة سيتدخَّل في عمله توجيهاً وفرضاً للأوامر.
وفي الواقع، فإنَّ الكثير من المحامين يعدلون عن فكرة الدخول في شركة محاماةٍ لهذا السبب، وهذا يؤثِّر سلباً بمستوى مساهمة القطاع القانوني في تنمية الاقتصاد المهني، ذلك الاقتصاد الذي يعتمد على الكفاءات البشرية أكثر من رأس المال.
ومن هنا، كان لا بدَّ من موقفٍ تنظيميٍّ صريحٍ من هذه المسألة، وقد كان نظام الشركات المهنية أمام احتمالَيْن:
* إمَّا أن يدعم إدارة شركة المحاماة، ويسمح للمدير بالتدخُّل في عمل الشركاء حِرْصَاً على مصلحة الشركة وحقوق الشركاء، وهذا من صميم مهام المدير.
* أو أن يسمح للشريك المحامي بممارسة المهنة بشكلٍ مُستقلٍّ عن سلطة المدير، حتى يُحافِظَ على أعراف مهنة المحاماة التي تَعتَمِدُ في الكثير من الأحيان على التقدير والإبداع الشخصي.
وقد اختار نظام الشركات المهنية السعودي الخيار الثاني، حيث فرضت المادة 16 من هذا النظام مبدأ استقلال الشريك في ممارسة المهنة، وعدم جواز تدخُّل المدير في الشركاء الممارسين لها، ونجد نفس الموقف من لائحة شركات المحاماة الكويتية الصادرة بالقرار رقم 161/2020 في المادتين 13 و14.
فما هو أثر تطبيق مبدأ الاستقلال في الممارسة المهنية على الاقتصاد المهني في إطار شركات المحاماة؟
الحقيقة، أنَّ الأثر الفوري المباشر لهذا المبدأ يتمحور حول “تحفيز” رأس المال المهني.
وهذا يعني أنَّ المحامين سيُقْبِلُون على تأسيس شركات المحاماة أو الاشتراك فيها بالنظر إلى عدم تأثير ذلك على هامش التقدير والإبداع الشخصي في الممارسة المهنية.
وبالنتيجة، فإنَّ رؤوس الأموال المُبَعثَرِة بين مكاتب المحاماة ستجتمع على شكل رأس مال شركةٍ واحدةٍ، وهذا ما يَفتَحُ الآفاق نحو تطوير منظومة العمل المهنية بالنظر إلى تضاعف رأس المال الدائر في المشروع المهني.
ويظهر الأثر الهام لمبدأ الاستقلال في إطار التحفيز المهني لشركات المحاماة، فيما يلي:
الارتقاء بمعدَّلات الجودة في الخدمة القانونية؛ فالمحامي لا يستطيع وحيداً أن يتحمَّل تكاليف بعض الاستشارات الدولية التي يحتاجها مُوكِّله، بينما الشركة تستطيع.
إمكانية تقسيم العمل القانوني وفق التخصُّص؛ يمكن للشركة أن تعمل على أساس أقسام القانون من عامٍّ وخاصٍّ وجزائيٍّ وإداريٍّ وعماليٍّ بشكلٍ واضحٍ، على عكس الصورة التقليدية لملفَّات الدعاوى المتراكمة فوق مكتب المحامي المُنفَرِد.
التوسُّع في الخدمات القانونية؛ يمكن لشركة المحاماة أن تفتح مجال الاستشارات القانونية أو الإدارية في نطاق أنظمة الحوكمة.
فتح المجال لنشر الثقافة القانونية؛ يمكن لشركة المحاماة أن تفتح مراكز توعيةٍ ودراساتٍ قانونيةٍ بفعل توفُّر الوقت الكافي لذلك، بينما المحامي المُنفَرِد لن يجد الوقت. وفي الواقع، يُساهِم هذا النشاط الثقافي في توعية المجتمع قانونياً وفي رفع قيمة الاسم المهني لشركة المحاماة.
القدرة على تحمُّل مخاطر العمل القانوني؛ كلَّما زاد رأس المال كلَّما ازدادت قوة المركز المالي للمشروع، وبات أكثر قدرةً على تحمُّل المخاطر.
توارث الاسم المهني؛ بعد أن يتوفَّى المحامي ينقضي مكتبه المُرخَّص باسمه بما له وما عليه من سمعةٍ ومكانةٍ وقيمةٍ معنويةٍ، بينما تستمرُّ الشركة في الممارسة تحت نفس الاسم لأجيالٍ وأجيال، فإذا توفَّى الشريك يرث حصَّته ورثته (م/21 نظام الشركات المهنية السعودي + م/25 لائحة شركات المحاماة الكويتية).
في المقابل، فإنَّ عيوب الاستقلال المهني في شركات المحاماة تظهر على شكل ازدياد مخاطر العمل القانوني على الشركة، حتى وإن كانت مُؤمِّنةً ضدَّ الأخطاء.
فالشركة تتحمَّل المسؤولية تجاه الغير عن أخطاء الشركاء الشخصية وفق لائحة الشركات المهنية السعودية (م/17)، ووفق لائحة شركات المحاماة الكويتية (م/16).
فمثلاً، إذا قام أحد الشركاء باستلام مهمَّة الطعن في أحد الأحكام الصادر من المحكمة الابتدائية بالدرجة الأولى، لكنَّه تقاعس عن كتابة لائحة الطعن، ممَّا أدَّى لفوات الميعاد، وخسارة الدعوى بسبب هذا الخطأ المهني الجسيم؛ فهنا تتحمَّل الشركة مسؤولية الضرر الذي أصاب الموكِّل عن خسارة الدعوى، وللشركة الرجوع على المحامي الشريك الذي أخطأ.
بناءً عليه، فإنَّه من المنطقي فرض بعض القيود على الشركاء خلال ممارسة مهنتهم، فلا يجب أن يكون مبدأ الاستقلال المهني في شركات المحاماة مُطلقاً؛ حيث إنَّ حدود مبدأ الاستقلال تصبُّ في خانة حوكمة الممارسة المهنية ضمن إطار حماية مصلحة الشركة ورأسمالها، وحماية حتى مصلحة شركات التأمين المتعاقدة معها.
لكن قيود مبدأ الاستقلال يجب ألاَّ تصل إلى مرحلة التدخُّل في ممارسة المهنة من المدير، بل نرى أن تشمل الرقابة على عمل الشركاء من خلال تقاريرٍ شهريةٍ يُرسِلُها الشريك المحامي للمدير، فيما يُعلِّق عليها المدير بملاحظات في الأمور الجوهرية الأساسية مثل مواعيد الطعن والاختصاص القضائي وغيرها، وليس في تفاصيل المرافعات التي يُترَكُ تقديرها للمحامي الشريك.
فإذا وجد المدير أية مؤشِّراتٍ على الإهمال أو عدم التأهيل في هذا الشريك حتى في الأمور الجوهرية، فيمكن للمدير أن يُرسِلَ تنبيهاتٍ وملاحظاتٍ للشريك تصبُّ في مصلحة العمل، فإذا لم يستجبْ الشريك لهذه الملاحظات فيجب تمكين المدير حينئذٍ أن يحيل الدعوى إلى محامٍ آخر في الشركة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال