الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما تم الإعلان في الإعلام والصحف أن هناك مساعي لطرح عملة موحدة في 2027 فرحت عند قراءتي للعنوان الرئيسي وبشكل سريع وفكرت أنها لدول الخليج العربي وأنها سوف تقوم أخيرًا بطرح العملة الموحدة. لكن للأسف أن هذه الخطة الجديدة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا Economic Community of West African States إيكواس ECOWAS (عددها 15 دولة) مشروع لطرح عملة موحدة في عام2027م.
في ظل التغيرات الاقتصادية بالعالم الافريقي والعالم أجمع في السنوات الماضية ولمواجهة التحديات وجب عمل تكتلات اقتصادية أو بعض من مراحل التكتلات الاقتصادية التي تساعد على تعزيز التجارة والنمو الاقتصادي للبلدان النامية كمصد للمتغيرات الاقتصادية والاستفادة من التكتلات. لكن الغريب في هذه الدول الأفريقية هو التركيز على توحيد العملة قبل الخوض والتركيز على التوحيد السياسي وكذلك تحقيق بعض من مراحل التكامل الاقتصادي بين الدول لأن مرحلة توحيد وإصدار عملة موحدة بين مجموعة من البلدان هي آخر مراحل التكامل الاقتصادي النقدي. ذكرت مراحل التكامل الاقتصادي بين الدول في العالم سابقًا في مقالات سابقة إلى سبعة مراحل وهي 1) منطقة التجارة الحرة 2) الاتحاد الجمركي 3) السوق المشتركة 4) الاتحاد الاقتصادي 5) الاتحاد النقدي 6) الاندماج الاقتصادي الكامل 7) الوحدة السياسية (الصيغة الفدرالية).
وذكرت أيضا في مقال سابق بعنوان ” وين راحت العملة الخليجية الموحدة” – نشر في صحيفة مال بتاريخ 2 سبتمبر 2020 حيث ذكرت معاناة الدول الست الخليجية بتوحيد الجهود والخروج بعملة خليجية موحدة فما بالك بوجود عدد 15 دولة تختلف في الثقافة والفكر الاقتصادي واللغة (الإنجليزية والبرتغالية والفرنسية) وعوائق فكرية ومعرفية وكذلك عوائق سياسية. وتكلمت عن حالة دول الخليج العربي بالخصوص ومن الممكن الرجوع إليها لكن هنا سوف أتكلم عن حالة دول غرب افريقيا – ايكواس-والتي تتألف من 15 دولة (الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو) والتي تأسست عام 1975م.
مساعي دول غرب أفريقيا من توحيد العملة يتمثل في تحقيق عدة أهداف عند إصدار عملة موحدة ومن أبرزها لا الحصر 1) تسهيل التبادل التجاري: عند توحيد العملة يساعد على زيادة حجم التبادل التجاري بين دول غرب أفريقيا وسوف يساهم بزيادة النمو الاقتصادي وأيضا تسهيل التبادل التجاري من منطلق مقارنة الأسعار حيث سوف تكون مسعرة بعملة واحدة في بلدان الأعضاء ويخلق منافسة شديدة بسبب الشفافية بالأسعار. ثاني هدف هو 2) إلغاء عمولات المصارف: من الطبيعي عند توحيد العملة سوف تقوم بمقام العملات المحلية وهذا يلغي العمولات التي كانت تأخذها المصارف على الأفراد أو الشركات وأيضًا فائدة للسائح إذا قام بزيارة عدد 15 دولة أو في الحالة الأوروبية عند زيارة 27 دولة فلا يوجد خسارة بسبب العمولات والرسوم الإدارية عند تبديل العملات المحلية كما هو في السابق.
ثالث هدف هو 3) أن توحيد العملة من أهم حلقات الوحدة النقدية وأساس للوحدة بين الدول في السياسة وعلى مستوى الشعوب حيث أن العملة الموحدة ترمز إلى التوحيد ورمز واحد مع تنوع اللغات والثقافات. وكما ذكرت في مقالات سابقة أن منطقة اليورو مع أن هناك يوجد اختلافات عدة لكن تم الاتحاد تحت سياسة نقدية واحدة وبنك مركزي واحد وساعد الاتحاد الأوروبي على التصدي للتحديات العالمية وتوازنات القوى الدولية وزيادة حجم التجارة وإزالة تقلب أسعار الصرف وخلق سوق مالية أكبر وغيرها من الأهداف.
ورابع هدف هو 4) الحد من هيمنة الدولار: حيث أي اتحاد بجانب الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى انكماش منطقة الدولار في العالم والحد من السياسة الامريكية بسبب قوة عملتها كما كان للجنيه الإسترليني في السابق. كما نعرف فإن الدولار الأمريكي هو العملة العالمية القوية في يومنا هذا وقد حل محل الجنية الإسترليني وذلك لقوة الولايات المتحدة الأمريكية في جميع المجالات وخاصة العسكرية وبالمقابل هناك منافسة بين اليورو مع الدولار ليحل محله، فهل يستطيع أن يكون العملة رقم واحد في المستقبل القريب؟
لا أستبعد أن خطة طرح عملة موحدة لدول غرب أفريقيا مدعومة من الاتحاد الأوروبي وبالخصوص فرنسا للحد من الهيمنة الأمريكية الاقتصادية ومن سيطرة الدولار الأمريكي.
أخيراً أعتقد أن هذه المبادرة لتوحيد عملة موحدة بين 15 دولة سوف تفشل (كما فشلت مساعي دول الخليج العربي) لعدة أسباب لا الحصر وأهمها 1) التبعية للغير وهو العزم على إنشاء عملة لغرب أفريقيا وربط سعر صرفها بسعر اليورو وتضمنها الخزانة الفرنسية. وثاني سبب 2) وهو التنازل عن السيادة الوطنية ويجب على دول غرب افريقيا ” والتي لها أمزجة مختلفة” الإدراك أن الدخول بتكتلات مع دول أخرى معناها انتقال السيادة القطرية للبلد إلى السيادة المركزية والمتمثلة بالبنك المركزي. وثالث سبب 3) فقدان المصارف التجارية بعض الإيرادات والمتمثلة بصرف العملات والرسوم الإدارية وعمولتها ورابع سبب 4) ليس بالسهل رسم السياسات المالية والمواءمة المالية وذلك لاختلاف وتباين المدارس الاقتصادية والنقدية الموجودة بين بلدان الأعضاء 5) مشكلة الفساد الإداري 6) التخلف الصناعي 7) الفقر والديون.
لكن بالعموم لو أن بعض البلدان سوف تتأثر على المنظور القريب من الوحدة المالية لكن الآثار الإيجابية للتكامل الاقتصادي والنقدي وبالخصوص توحيد العملة أكبر من السلبية ولو على المدى البعيد. سوف ننتظر ونرى هل سوف يتحقق عام 2027م أو يكون كلام وخطط على ورق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال