الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرج عبدالله للمرة الأخيرة من أروقة ذلك المبنى الذكي المهيب والذي انتقلت له الجهة الرسمية التي يعمل بها مؤخراً قبل عدة سنوات، بعد أن قضى في المقر القديم ما يزيد عن الثلاثين عاماً في بيئة عمل صعبة ومراجعين ووسطاء ومعقبين وأجواء مكهربة، وابتسم عبدالله ابتسامة أبوية، وهو يشاهد اقتراب الشاب العشريني فارس منه، الذي كان في الممر قرب المدخل، ولم يتفاجأ عبدالله عندما قام فارس بتقبيل رأسه بكل احترام وإجلال!
صدر قرار تعيين فارس قبل عدة سنوات براتب فلكي يبلغ تقريباً أربعة أضعاف راتب عبدالله، لكن كان الجميع يعلم جيداً أن فارس وهو خريج واحدة من أعرق الجامعات الأمريكية وكان يدير عمليات التحول الرقمي، كان يستحق هذا الزخم، ولكنه أثناء تقبيل راس عبدالله (غير آبه بإجراءات التباعد الاجتماعي) كان يفكر في دور هذا الرجل (عبدالله) وأقرانه من الخبراء في هذه الجهة الرسمية، سواءً في رسم طريقة سير العمل وانسياب المعاملات والتي ساهمت في تحليل النظام إضافة إلى جهدهم الكبير في عمليات الأرشفة وإيجاد معاملات كانت في طي النسيان، وغير ذلك الكثير والكثير من مساهمات الخبراء في أعمال التحول الرقمي والتي أنجزت بفترة وجيزة!.
كان فارس يعلم بالألم الذي يعتصر قلب عبدالله حيث خرج بالتقاعد في هذا التوقيت وبراتب تقاعدي لا يتعدى الثلاثة آلاف ريال فقط.
لم يكن فارس قادماً لعبدالله عبثاً، بل ولم يكن اللقاء صدفة، فقد نزل فارس من مكتبه خصيصاً لإلقاء هذه التحية الأخيرة في هذه الجهة الرسمية التي نالت جوائز عالمية في تحسين بيئة العمل لموظفيها.
تأمل فارس ملامح عبدالله قليلاً قبل أن يستطرد بكل تفاؤل: ابشرك يا عم عبدالله الأمور بتزين، حنا بقلوبنا معكم وحتكون لكم صناديق وجمعيات وامتيازات تتوفر لكم، ومن ناحية أخرى ما راح نستغنى عن مشورتكم ودعمكم لنا، وفيتم وكفيتم سيدي، أطال الله أعماركم في طاعته، ثم في خدمة هذا الوطن العظيم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال