3666 144 055
[email protected]
استكمالا لمقالة الأسبوع الماضي (الرابط هنا) حول أهمية تخطي مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، فإن الإشارات المتوفرة حاليا عن مرحلة الثورة الصناعية السادسة ذات الطابع الفلسفي الجيواقتصادي المتطرف، وتحت عنوان “جودة الحياة” من المنظور الغربي والبعيدة عن الأضواء حاليا، يمكن أن تعطي انطباعًا أوليًا يساعد في رسم تصور مبدأي لما يراد به أن يكون في المستقبل القريب.
من الناحية التكنولوجية ستكون هذه المرحلة أكثر تقدما في خدمة الإنسان (العميل) من خلال تحريكه بنفسه لعملية التصنيع الافتراضي الشامل لما يحتاجه من منتجات وخدمات، من خلال التواصل المباشر للعقل البشري مع الآلة ذاتية الابتكار والقادرة على إتخاذ القرار والتنفيذ والمتابعة بالخدمات المساندة، وبواسطة سلاسل توريد ديناميكية تستجيب لمتطلبات العميل دون تدخل، مما يكشف الستار عن عصر اقتصادي جديد يسمى باقتصاد النقل عن بعد (Teleporting Economy) ولتضع جمل مثل “اقتصاد معرفي” و “اقتصاد رقمي” على رف التاريخ كتعريفات لعصور اقتصادية سابقة.
هذا يعني تغير جذري في أمور كثيرة، من ضمنها سلوك العميل ونمطية حياته، وهيكلة الشركات والمصانع التشغيلية والإدارية والتسويقية، ومستقبل تواجد وشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبنية التجارة البينية بين الأفراد والشركات وبين الشركات فيما بينهم، وبين الدول نفسها بعد الغاء أدوار العديد من المنظومات الوسيطة في التبادل التجاري والمالي وما يدور في فلكها من منظومات مساندة أخرى.
ومن الناحية الأخلاقية وهو الشق الأعرض، ستعيد هذه المرحلة تشكيل أمور مرتبطة بتعزيز جودة الحياة والتي تتطلب سلامة المناخ والبيئة، والدعوات الحالية في الدفاع عنهما ما هي إلا تحضيرا لمرحلة راديكالية قادمة، وربما يدعم هذه الفرضية تصريح “كو باريت” نائب رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن هناك حاجة إلى “تغييرا تحويليا غير مسبوق” في هذا الملف، كما جاء على منصة مؤسسة الإعلام الوطنية (NPR) الأمريكية في 14 أغسطس الفائت.
هذا المسار يدعمه نشاط مجموعة من المدافعين القانونيين عن البيئة والمناخ في دول مجموعة السبع (G7) – التي تعمل على الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية العالمية – لتشريع قوانين جديدة مثل قانون “الإبادة البيئية” الموازية لجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، بحيث يمكن من خلال هذا القانون الدولي ملاحقة الأفراد والشركات والحكومات المعرّفين كمسيئين للبيئة، والعمل في هذا التوجه حاليا وصل لمرحلة التنسيق مع المحكمة الجنائية الدولية (ICC) لاعتماده، كما جاء على منصة الإعلام الكندية (CBC) في 9 يوليه الماضي.
وفي مسار راديكالي آخر، هناك مناقشات جارية داخل الأروقة العلمية الغربية لوضع أسس التحكم التام في إستخدام الموارد الطبيعية بحيث لا يكون هناك إنتاج إلا بما تسمح به الحوكمة العالمية الجديدة للموارد الطبيعية بإسم عدالة توزيع الثروات والحفاظ على البيئة وحقوق الإنسان العالمي، وهذا غالبا يعني أنه وبقوة القانون لن يسمح فيها للدول ولا للشعوب في التملك أو التصرف التام في ثرواتهم من الموارد الطبيعية مثل المعادن والمياه والنفط والغاز، وليس واضحا يقينا إذا ما كانت دعوة الرئيس الأمريكي الحالي إلى عقد مؤتمر دولي في ديسمبر 2022 – كما جاء على منصة البيت الأبيض في 11 أغسطس – حول الدفاع عن الديموقراطيات في العالم لتعزيز مبدأ حقوق الإنسان والدفاع عن النهج الديموقراطي بمحاربة الاستبداد والفساد وعدالة توزيع الثروات، من ضمن التحضيرات لما سيكون مستقبلا.
لذلك، على المجتمعات الأكاديمية والبحث العلمي في الاقتصادات النامية أن تحذر من ضغط هالة الثورة الصناعية الرابعة فتنغمس في الانبهار بها أو إطالة الوقوف عندها، وأن لا تجعل طنينها الإعلامي يصُم آذانها عن سماع هرولة الخامسة ودبيب السادسة مما يسبب اضطراب في ترتيب أولوياتها، فأمام هذه المجتمعات العلمية أمانة ثقيلة وعمل جاد للتجهيز للقادم القريب الذي ستواجه فيه الاقتصادات التي تنتمي لها ما سيُفرض عليها مواجهته، بحسب مقتضيات المخطط له في عوالم جديدة تتعدى في أبعادها التطور التكنولوجي نحو تغيير ملامح العالم.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734