الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ربما من الممكن القول إن أول من جذب الإنتباه لمبدأ التجارة الحرة هو الباحث الاقتصادي “آدم سميث” عندم آشار إلى نظرية اقتصادية مازالت تحمل إسمه مفادها ” أن كل أمة أو شعب يملك القدرة على إنتاج سلعة أو مادة خام بكلفة أقل بكثير من باقي الدول الأخرى، فإذا ما تبادلت الدول هذه السلع عم الرخاء بين الجميع”
واليوم وبعد أكثر من مئتي سنة على نشر كتابه ” استعلام عن طبيعة وأسباب ثروة الأممAn Inquiry Into The Nature And Causes Of The Wealth Of Nations ” هناك من يقول إن العالم يقترب أكثر فأكثر من إثبات صحة هذه النظرية (مع عدم إغفال عوامل أخرى) وذلك بالنظر إلى حجم التجارة الدولية والذي بدء في النمو المتسارع في بدايات السبعينيات والتي حينها كان حجم التجارة العالمي في حدود أقل من 1 تريليون دولار وحتى وصل اليوم إلى أقل من 19 تريليون دولار.
ولكن بنظرة تاريخية سريعة نجد أن ما حدث ويحدث حالياً وسوف يحدث مستقبلاً هو طبيعة الصراع بين مؤيدي نظرية التحرر الاقتصادي Economic Liberalism ، ومن الطرف المقابل مؤيدي نظرية الربح التجاري Mercantilism، والدافع الرئيس لتبني أي منهما هو المصلحة الوطنية لاقتصاد الدولة المعنية. هذا الصراع بدء في الظهور مجدداً في بدايات القرن العشرين بشكل واضح عندما أقرت الولايات المتحدة قانون “هاولي –سموت Smoot-Hawley ” للتعرفة والذي بموجبه تم رفع التعرفة على أكثر من 20 ألف سلعة مستوردة في سبيل مواجهة الكساد الكبير، والذي بدوره، حسب أراء مختصين، كان هو الممهد لإقرار قانون اتفاقيات التجارة المتماثلة Reciprocal Trade Agreement في العام 1930 بهدف خفض التعرفة بشكل متبادل بين شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وكان هذا نتيجة طبيعية لتوجه الدول نحو الحماية Protectionism بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى. ومع إنتهاء الحرب العالمية الثانية أخذت الولايات المتحدة وبريطانيا بزمام المبادرة وطرحتا فكرة الاتفاق على التعرفة والتجارة ،حيث كانت الدولتان من الأقوى صناعياً، والتي نتج عنها تبني أكثر من 20 دولة للاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة General Agreement on Tariffs and Trade والتي تعرف حالياً بالـ الجات GATT. توقيع هذه الاتفاقية يعتبر بداية تبني سياسة الاقتصاد الحر لتحقيقها مصالح الدول التي تبنتها مع تقدمها وتطورها الصناعي.
ظلت إتفاقية الجات تنظم عملية التجارة الدولية ومهدت الطريق لعقد 8 جولات تفاوضية للدفع بسياسة تحرير الاقتصاد إنتهت بإعلان تأسيس منظمة التجارة العالمية في العام 1994م خلال نهاية أعمال جولة مراكش في الأروجواي. وكانت الأسباب الرئيس لإنشاء المنظمة هي الزيادة المستمرة في العوائق التجارية غير الجمركية منذ العام 1970، التحول في الميز النسبية للبلدان المتطورة من تصنيع السلع إلى الخدمات، إضافة إلى مطالبات الدول الأقل نمواً في رغبتها في إدارج السلع الزراعية والملبوسات ضمن قوائم التجار الدولية.
حالياً منظمة التجارة العالمية وبعد 25 سنة من العمل الدؤوب لتحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق على تدفق السلع والخدمات تواجه عدة تحديات ظهرت بشكل جلي خلال جولة الدوحة والتي إتضح فيها تباين وجهات النظر بين الدول المتطورة والنامية حول مواضيع جوهرية، تم الاتفاق على مناقشتها بين تلك الدول ولم يتم التوصل إلى إتفاق، وهي على النحو التالي :
الدول المتطورة: وافقت على إدراج التجارة في المنتجات الزراعية والملبوسات تحت مظلة المنظمة ولكن مع وجود استثناءات
الدول النامية: سمحت بضم التجارة في الخدمات وحقوق الملكية تحت مظلة المنظمة
لذلك وفي ظل التحدي القائم للاتفاق بين أعضاء المنظمة، ظهرت، بشكل متزايد، الاتفاقيات الثنائية سواء كانت بين دولتين أعضاء في منظمة التجارة العالمية أو بين منظمات إقليمية بهدف الوصول إلى تكامل اقتصادي خارج أروقة المنظمة وبما لا يتعارض مع مبادئها. تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد اتفاقيات التجارة الحرة التي يجري التفاوض عليها أو تم توقيعها ، بهدف خفض أو إزالة الرسوم الجمركية بشكل أساسي، وصل إلى حدود الـ 300 إتفاقية حتى الأن. إضافة إلى ذلك تشير الإحصائيات إلى أنه منذ عام 2002 تم التفاوض على أكثر من 119 إتفاقية في منطقة آسيا والباسفيك، وأن أكثر من 50% من التجارة الدولية تتم عن طريق إتفاقيات تجارة حرة. حسب تقرير 2019 للأونكتاد عن إحصائيات التجارة الدولية، بلغت تكاليف التجارة المرتبطة مباشرة بالتعريفات الجمركية حوالي 1% بالنسبة للبلدن المتقدمة وحوالي 4% في البلدان النامية.
هذا الاهتمام المتزايد باتفاقيات التجارة الحرة يأتي متزامناً مع الصعوبات التي تواجهها منظمة التجارة الحرة بهدف إرساء قواعد ملزمة للتجارة العالمية في السلع والخدمات والمتمثلة في فشل جولة الدوحة وتوجه بعض الحكومات في فرض قيود تجارية شملت كمية كبيرة من السلع إضافة إلى عدم الاتفاق على إصلاحات مقترحة بهيئة الاستئناف في المنظمة.
وهنا يأتي السؤال المهم، في ظل هذا الاتجاه المتزايد باتفاقيات التجارة الحرة الثنائية، كيف تتم إدارة عملية الوصول إلى توقيع إتفاقية تجارة حرة تتسم بالعدالة بين الطرفين؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في قيام المختصين بدراسة الاتفاقية من خلال المحاور الرئيسة التالية :
المحور الأول: اقتصاديات اتفاقية التجارة الحرة
من المناسب التنويه هنا إلى أن اقتصاديات هذه الاتفاقيات دائماً ما ينظر لها من جانبين “الاقتصادي” و “السياسي”. على الجانب الاقتصادي تبرز أهيمة هذه الاتفاقيات في تعظيم الميزة النسبية للدولة وتميزها في تقديم منتجات بأسعار منافسة مع مثيلاتها من المنتجات الأخرى في دول أخرى وإلغاء القيود “في شكل رسوم جمركية” التي كانت تفرض على منتجاتها وتقلل من فرص الاستفادة من الميز النسبية التي حضيت بها.
المحور الثاني: شمولية اتفاقية التجارة الحرة
وهنا يجب على القائمين على دراسة الاتفاقية معرفة المكاسب السريعة والمتمثلة في فتح أبواب التصدير للمنتجات الحالية وإدراج المواضيع التي لها أولوية مثل تسهيل الاستثمارات متى ما كانت تمثل أولوية.
المحور الثالث: التفاوض، التنفيذ، وتقييم اتفاقية تجارة حرة
من المهم جداً هنا معرفة مقدرة الفريق المشكل لإدارة عملية التفاوض وتجهيزه “معرفياً” من خلال الدوارات التدريبية وبناء العلاقات مع أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص إضافة إلى دعم أعمال الفريق بمنظومة تقنية تساعد في تحليل البيانات وإخراجها بشكل جيد لدعم عملية اتخاذ القرار. أما ما يخص التنفيذ فهو يحتاج إلى عمل مستمر وموائمة مع مختلف الجهات من القطاعين العام والخاص لضمان تحويل ما اتفق عليه إلى إجراءات ميسرة وواضحة ومحدثة باستمرار. في نهاية المطاف تقييم فوائد توقيع اتفاقيات تجارة حرة يحتاج إلى مصدر للبيانات من جهات مختلفة تبدأ بمعرفة منحنيات إرتفاع إو إنخفاض الصادرات من وإلى الطرفين المعنيين بالاتفاقية وفيه تعقيد وصعوبة في حال كانت أنظمة المعلومات في حاجة إلى التطوير والتحديث.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال