الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نبدأ بتعريف مختصر للتنمر.. وهو عدة أنواع، أبرزها الإزعاج اللفظي أو الإيذاء الجسدي أو الحصول بالقوة على ما عند الغير، وغالباً ينتشر هذا النوع في المدارس بين الأطفال. والنوع الثاني هو التنمر في بيئات العمل، حيث تنتشر احياناً الشائعات المغرضة التي تهدف إلى عزل الفرد عن المجموعة أو الحد من نجاح الموظفين، أو التحايل للتقليل من شأن الآخرين والحصول على انجازاتهم، وصولاً إلى التهديدات اللفظية في بعض الأحيان.
وأما النوع الثالث، فهو التنمر الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يقتصر هذا النوع على الأطفال فحسب، بل وينتشر أيضا بين بعض الكبار من المشاهير والمثقفين. وتكمن خطورة التنمر الإلكتروني في أنها متوفرة على شبكة الإنترنت بصفة دائمة ويطلع عليها عدد كبير من الأشخاص مما يضاعف من أثرها السلبي على من تم التنمر عليهم، وهم من مختلف الأعمار.
وغالباً ما يستمر سلوك الطفل المتنمر إلى الكبر، في حال لم يتم علاجه مبكراً، فنجد الطفل المتنمر يكبر ليصبح في أغلب الاحيان هو ذاته الموظف المتنمر، أو الإداري المتنمر، أو المشهور المتنمر. وللأسف قد نجد، في كثير من الأحيان، أن المتنمر لا يتم علاجه في صغره، وذلك لخوف ضحاياه منه ومن الإجهار بما يتعرضون له من تنمر، فيستمر ذلك السلوك طويلا.
وقد يعتقد البعض ان آثار التنمر السلبية هي فقط آثار اجتماعية ونفسية، ولكن الواقع هو أن آثار التنمر قد تصل إلى حدود اقتصاد الدول.
ولكن.. كيف يحدث ذلك…؟
حسب العديد من الدراسات، والتي استمرت عدة سنوات في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، فإن الطفل الذي كان يعاني من التنمر في صغره، يُصاب بمشكلات ذهنية ونفسية تتعلق بالثقة في النفس، ترافقه حتى الكبر، وقد تحد من قدرته الفعلية على النجاح والإبداع والابتكار. وكانت هناك نسب أعلى في مؤشرات “تكلفة التوظيف” و”الفشل الوظيفي” تُقدر بحوالي ١٨% للذين كانوا يعانون من التنمر في الطفولة، وذلك لعدم استقرارهم في وظائفهم لفترات طويلة وكذلك لعدم رضى إداراتهم عن أداءهم، في الأغلب. وكذلك فإن نسبة مؤشر “سوء المستوى المعيشي” لهؤلاء الأشخاص تُقدر بحوالي ٢٠% أعلى من غيرهم، او ما تقرب خسارته الاقتصادية بنحو ٥٠٠ مليون دولار خلال سنوات قليلة.
ومن جهة اخرى، فإن التنمر داخل بيئات العمل يتسبب في ازدياد نسبة مؤشر “معدل تناقص الموظفين” في كافة القطاعات، إلى حد كبير، مما يترتب عليه خسائر كبيرة للمؤسسات بسبب عدم القدرة على الاحتفاظ بالعاملين ذوي الكفاءات والذين قد يتعرضون لذلك النوع من التنمر.
كما أعلنت تلك الدراسات عن ارتفاع “تكلفة توفير الخدمات الصحية” بنسبة ١٣%، مقارنة بتكلفة هؤلاء الذين لم يتعرضوا للتنمر. وأوضحت هذه الدراسات أيضاً أن معالجة التبعات المترتبة على التنمر مثل الأمراض النفسية او السمنة، كأمثلة، تُكلف فارقاً مالياً كبيراً في المؤسسات الصحية، حيث بلغت ما يزيد عن ١,٧٠٠ دولار سنوياً لعلاج الفرد الذي يعانى من التنمر، وهو ما يقرب إجمالاً من نحو ٣٤٠ مليون دولار خلال سنوات قليلة.
ومن الجدير بالذكر أن السمنة والإكثار من الطعام هو ما يلجأ إليه الكثيرون للتنفيس عن الضغوطات حيث تُعد من أكثر ظواهر التنمر الجسدية المكتسبة شيوعا.
ومن جهة أخرى، ماذا عن التكلفة الإقتصادية للمتنمرين أنفسهم..؟ في العديد من الحالات، يلجأ المتنمر إلى العنف أو الجريمة، بسبب عدم إتزانه الذهني واستكمالاً لسلوكه السلبي منذ الطفولة، وقد بلغت تكلفة ذلك العنف نحو ٩٥٠ مليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال سنوات قليلة فقط.
وذلك جميعه، بلا شك، خسارة اقتصادية كبرى.
ومن هنا، يأتي الدور الهام لبرامج التعليم والحماية وسياسات المتابعة ليس فقط لسلوك الأطفال في المدارس من أجل الحد من تداعيات التنمر، ولكن أيضا في ضرورة وجود سياسات مشابهة في بيئات العمل للبالغين تُعرف مفهوم التنمر بشفافية عند التوظيف وتُوضح ما هي أمثلته وما هي الإجراءات الصارمة تجاه حدوثه.
ومن جهة أخرى، يجب أن تلتزم منصات التواصل الاجتماعي كذلك بتطبيق السياسات والإجراءات التي تحد من التنمر اللفظي الإلكتروني في منصاتها.
وبتلك الجهود المترابطة، سوف تستطيع الدول والمؤسسات الحد من الآثار السلبية للتنمر سواء الاجتماعية أو التداعيات الاقتصادية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال