الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم التجارة، نجد المشاريع العملاقة حريصةً على حماية كلِّ ما يَرتَبِطُ بمُنتَجَاتِهَا، والحرص الأكبر يكون على السمعة التجارية أكثر منه المبيعات والأسعار؛ والسبب هو أنَّ تميُّز العلامة التجارية يؤدِّي بشكلٍ تلقائيٍّ إلى ازدياد قيمة الشركة ومبيعاتها وأرباحها.
تعني “العلامة التجارية” أيَّ رسمٍ مُميَّزٍ عن غيره، وقد يشتمل على عبارةٍ رنانةٍ تَرتَبِطُ بشكلٍ واضحٍ بالمُنتَجِ، وتجعل ذِهن المستهلك يتذكَّر أنَّ المنتجات والخدمات هي من شركةٍ مُحدَّدةٍ.
وفي الواقع، تكتسب بعض العلامات التجارية قِيَماً خياليةً، تُقدَّر بمليارات الدولارات كما في بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية (تقرير الويبو، عام 2019، صـ 14).
والسبب من وراء القيمة المالية للعلامة التجارية ليست قيمة أصول الشركة أو مبيعاتها، بل هو بالضبط السمعة التنافسية للشركة؛ فالشركة القادرة على إقناع العملاء أكثر من باقي منافسيها، هي التي تحظى بقيمةٍ أعلى لعلامَتِهَا.
فمثلاً، يكفي وجود علامةٍ تجاريةٍ معروفةٍ بتنافسيَّتها وجودتها على علبةٍ غذائيةٍ أن تجعل المستهلك يشتريها دون النظر للسعر أو التأكُّد من المواصفات، والسبب هو الثقة التي تكون هذه الشركة قد بنَتْهَا على طول أجيالٍ.
وهذا ما يدفع الشركات الناشئة اليوم إلى تسجيل علاماتها التجارية في الدولة التي يتمُّ فيها تأسيس المشروع، وفي أيِّ بلدٍ آخر سيتمُّ توريد البضائع المُنتَجَة إليه؛ وهكذا يطمئنُّ أصحاب المشروع أنَّ أيَّ تعدِّياً على علامتهم التجارية سيتمُّ منعه، بالإضافة إلى التعويض.
لكن نظام العلامات التجارية السعودي لعام 1423 ه – 2002 م قد حظر تسجيل وحماية العلامة في عدة حالاتٍ، أهمُّها:
أولاً: عدم تميُّز العلامة التجارية
“الإشارات الخالية من أية صفةٍ مُميَّزة والتي تُعَدُّ وصفاً لخصائص المنتجات أو الخدمات أو تكون مُجرَّد أسماءٍ عاديةٍ يُطلِقُهَا العرف على المنتجات أو الخدمات” (م/2-أ نظام العلامات).
بالتالي، فإنَّ العناصر السلبية الأساسية للعلامة التجارية والتي تؤدِّي إلى رفضها، تنحصر في محورَيْن:
* الوصف العادي للمنتجات أو الخدمات؛ مثل لبن أو هاتف، أو اتصالات؛ فهي كصورٍ أو عباراتٍ وصفيةٍ جداً وغير مُمَيَّزةٍ.
* الأسماء العرفية للمنتجات أو الخدمات؛ مثل الأسماء المعروفة لأنواع التمر، فهي عرفيةٌ ولا يمكن أن يحتكرها أحدٌ.
ثانياً: وجود علامة تجارية شبيهة
* التشابه مع علامة مسجلة في المملكة على منتجاتٍ أو خدماتٍ شبيهةٍ (م/2-ل نظام العلامات).
* التشابه مع علامة شهيرة ٍوإن كانت غير مُسجَّلةٍ في المملكة على منتجاتٍ أو خدماتٍ شبيهةٍ (م/2-ي نظام العلامات).
* التشابه مع علامةٍ شهيرةٍ مُسجَّلةٍ في المملكة على منتجاتٍ أو خدماتٍ غير شبيهةٍ بشرط الإضرار بصاحب العلامة (م/2-ي نظام العلامات).
بالتالي، فإن رفض تسجيل وحماية العلامة التجارية يكون في حالات التطابق أو التشابه مع علامة تجارية مُسجَّلةٍ أو شهيرةٍ لذات المنتجات أو الخدمات أو لمنتجاتٍ أخرى.
فإذا تساهلت إدارة سجل العلامات التجارية مع المشاريع الناشئة، وقامت بتسجيل علامتها دون تدقيقٍ عميقٍ في العلامات السابقة، فقد يؤدِّي هذا الأمر إلى حصول تشابهٍ بين العلامة التجارية الجديدة والشهيرة.
وفي واقع العمل القضائي، قد تحدث الكثير من المنازعات بسبب تسجيل إحدى الشركات الناشئة لعلامةٍ تجاريةٍ، ثم ادِّعاء إحدى الشركات الشهيرة وجود تشابهٍ مع علامةٍ تجاريةٍ تَمتَلِكُهَا.
وفي هذه الحالة، لن ينظر القاضي إلى تسجيل العلامة في المملكة، بل يكفي أن تكون شهيرةً، وإن لم تكنْ مُسجَّلَة، فإذا قام أحد الشباب بتقليد علامة شركةٍ تواصلٍ اجتماعيٍّ أمريكيةٍ شهيرةٍ، فلن يستطيع الادعاء بأنَّ العلامة غير مُسجَّلة في المملكة أو أنَّها غير محميَّة فيها، لأنَّ شهرة العلامة تُعتَبَر عُنصراً كافياً لحمايتها.
ويبدو تماماً، أنَّ تقدير القاضي سيكون هو الفاصل في هذه الدعوى، من محورَيْن:
* تقدير مدى الشهرة؛ وهو أمرٌ غير مُنضَبِطٍ، باستثناء الشركات العالمية المعروفة جداً.
* تقدير وجود تشابه من عدمه بين العلامتَيْن؛ وهو أمرٌ صعبٌ في حالة استخدام رسومٍ شبيهةٍ لكن بأسلوبٍ مختلفٍ، مثل رسم التمساح وغيره من الرسوم التي ارتبطت بعلاماتٍ تجاريةٍ عالميةٍ شهيرةٍ.
لكن في إطار المناخ الجاذب للاستثمار في المملكة وصولاً لتحقيق رؤية 2030، وبغاية سدِّ الباب أمام منازعات قضائية قد تُعَرقِلُ انطلاق المشاريع الناشئة أو تُقوِّض شهرة الشركات العريقة، يمكن اقتراح ما يلي:
تحديد معيارٍ واضحٍ لشهرة العلامة التجارية؛ كأن تقوم وزارة التجارة بحصر العلامات التجارية العالمية الشهيرة في مستندٍ، ثم مقارنته مع العلامات المطلوب تسجيلها.
مساعدة القاضي التجاري بهيئات خبرةٍ قضائيةٍ تستطيع تقدير الغايات التجارية من التشابه بين العلامات التجارية؛ أي تستطيع أن تعرف ما إذا كان المستهلك العادي قد يخلط بين العلامة الجديدة والعلامة المسجلة أو العريقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال