الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شخَّصت رؤية المملكة 2030 تطوير المؤسَّسات والمعاهد العلميَّة وتحديث النظم التعليميَّة كأهمِّ مرتكزاتها، وأحد مقوِّمات بناء اقتصاد العلم والمعرفة والابتكار، وإداة أساسيَّة لتنفيذ برامج التحوُّل الاقتصادي والاجتماعي.
هذه الأهداف الطموحة تعكس فهمًا لعلاقة ترابطيَّة وثيقة بين البنية العلمية والنموِّ الاقتصادي والتطوُّرالاجتماعي. وتؤكِّد أهميَّة الجامعات والمعاهد العلميَّة ودورها الحيوي في بناء مجمع منتج معاصر. أبرز أهداف الرؤية التعليميَّة وأكثرها طموحًا تلك المتعلِّقة بتطويرالجامعات السعوديَّة: “نهدف إِلى أن تصبح خمس جامعات سعوديَّة على الأَقل من أفضل (200) جامعة دوليَّة بحلول عام 1452هـ -2030م”. إنجاز هذا الهدف (الضرورة)، يتمُّ – كما تنصُّ عليه الرؤية- من “خلال إعداد مناهج تعليميَّة متطوِّرة تركِّز على المهارات الأَساسيَّة، بالإضافة إلى تطوير المواهب وبناء الشخصيَّة”.
بلوغ هذا الهدف التنموي مهمَّة ليست بالمستحيلة! لكنَّها بكلِّ المقاييس بالغة الصعوبة، تعتريها جملة من التحديات، وقابلة للتحقيق إذا ما توفَّرت مستلزمات النجاح الأساسيَة ؛ الرؤية الصائبة والخطَّة الفعَّالة والمتطلَّبات البشريَّة والماديَّة.
ثمَّة عديد من أسئلة تشغل أذهان المهتمِّين بتطويرالجامعات السعوديَّة. أبرزها؛ ما سبل تحويل أهداف الرؤية الأكاديميَّة من أفكار وأهداف طموحة إلى برامج عمل ومشاريع علميَّة ناجحة بأكبر كفاءة وأقلَّ كلفة وزمنا؟
تطرح هذه المشاركة ملاحظات عامَّة تتعلَّق بسياقات تطوير الجامعات السعوديَّة دون الاستطراد في تفاصيل الخطط والبرامج المطروحة لإعادة هيكلة الجامعات السعوديَّة وتطويركليَّاتها ومعاهدها تحقيقًا لأهداف الرؤية. قبل تقديم الملاحظات واستعراض مقوِّمات نجاح خطط التطوير، قد يكون من المفيد التوقُّف إزاء بعض الجوانب الخاصَّة في تصنيف الجامعات العالميَّة ومعاييرتقييمها.
كما هو معروف ، لا يتوفر تصنيف نموذجي متفق عليه ومستند على منهجية واضحة. بل هنالك ” تصانيف” متعددة للجامعات في العالم ، تعتمد معايير متشابه مع فروقات نسبية وتفرز نتائج متباينة لكن متقاربة . اكثر التصانيف شيوعا ؛ترتيب QS الصادر عن مؤسسة Quacquarelli Symonds البريطانية، وتصنيف Times الصادر عن مجلة تايمز للتعليم العالي البريطانية، و تصنيف جامعة شانغهاي ” جياو تونغ”، وتصنيف الجامعات الكندية الصادر عن مجلة Maclean’s Magazine.
اللافت ان غالبية المقاييس لا تصدر عن معاهد اكاديمية متخصصة ، بل عن مؤسسات اعلامية ومكاتب استشارية خاصة. كما انها لا تخلوا من أغراض تسويقية وترويجية منحازة. اللافت ايضا ان التصانيف المنشورة لا تعتد بها الجامعات المتقدمة ، ولا توظفها في تسويق معاهدها ، وابراز اهميتها ، حتى تلك التي تحتل صدارة قوائم التصنيف. تعتمد التصانيف المذكورة ت على جملة من المعايير الاساسية والفرعية ، والاحصائيات الخاصة بالأساتذة والطلبة اهمها:نسبة اعضاء هيئة التدريس لعدد التلاميذ ،سمعة الجامعة لدى ارباب العمل ، عدد البحوث العلمية المنشورة في مجلات علمية معروفة ،الاستشهاد العلمي بأبحاث صادرة عن منتسبي الجامعة ، انتاجية البحث العلمي و الدخل المتأتي من الابحاث، البعد الدولي ؛ نسبة الطلبة والأساتذة الاجانب ،نسبة حملة شهادة الدكتوراه في الهيئات التدريسية، وعدد الأساتذة الحائزين على جائزة نوبل ، وغيرها من الجوائز العلمية والاكاديمية المرموقة الممنوحة لاساتذة الجامعة وطلابها.
من المسلَّم به أنَّ درجة تقدُّم الجامعات ومرتباتها العلميَّة ينبعان من نجاحها في تحقيق إنجازات علميَّة نوعيَّة، ومن كفاءة مخرجاتها، وكميَّة البحوث المنشورة من أساتذتها وباحثيها، وما تضيفه إلى مجتمعاتها من قيم وإسهامات اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة. فالهدف الأساس من إنشاء الكليَّات والمعاهد الأكاديميَّة ينحصر في رفد المجتمع بالأفراد المؤهَّلين علميًّا وعمليًّا لإدارة المؤسَّسات العامَّة والخاصَّة، والمفاصل الاجتماعيَّة الأساسيَّة باقتدار ونجاح، وتقديم حلول ناجعة للمشاكل التقنيَّة والإداريَّة والاجتماعيَّة، وتأمين ديمومة التطوَّر والرفاهية، ومواصلة الانتاج العلمي والمعرفي بالإضافة إلى تهيئة قادة المستقبل.
لا جدال في أن تطوير الجوانب النوعيَّة والأداء العلمي للجامعات، أو جامعة ما، مهمَّة صعبة واستثمار طويل الأمد. ويعتمد نجاحها على مجموعة مترابطة من المتغيِّرات الاجتماعيَّة و الاقتصاديَّة. ولا يتحقَّق بمعزل عن تطوُّر المجتمع وتقدُّم مستوى التعليم الأساس، ونوعيَّة المدخلات التعليميَّة . كما يعتمد النجاح على توفُّر جملة من المقوِّمات، أبرزها: رؤية صائبة واستراتيجيَّة فعَّالة واطراداريَّة كفوءة وقيادات ناجحة، مراكز بحوث مقتدرة، وأطقم تعليميَّة وعلميَّة كفوءة، بالإضافة إلى توفُّر أنظمة حوكمة وضوابط أكاديميَّة واضحة. الجامعات المتقدِّمة تمكَّنت من تحقيق أهدافها والوصول إلى مكانتها الراهنة بعد عقود من البناء العلمي السليم والمتواصل.
إقامة صرح جامعي علمي رصين ومعاصر، يستند على توفُّر أربعة أعمدة أساسية: قيادات أكاديميَّة وإداريَّة فعَّالة ومناهج علميَّة متطوِّرة ومفردات حديثة، وأطقم تعليميَّة وعلميَّة كفوءة، ومدخلات طالبيَّة بمؤهِّلات علميَّة جيِّدة. إلى جانب توفُّر مستلزمات أُخرى؛ أهمُّها الموارد الماليَّة.
هنالك العديد من المقومات الواجب توفُّرها في خطط تطوير الجامعات السعوديَّة وتحسين مواقعها بين ترتيب الجامعات العالميَّة لعلَّ أهمها:
أوَّلًا، توفير رؤية صائبة واستراتيجيَّة تنفيذ فعَّالة ذات أهداف علميَّة وتربويَّة نوعيَّة وواقعيَّة قابلة للتحقيق خلال أمد الخطَّة.
ثانيًا، تهيئة قيادات إداريَّة وأكاديميَّة وطنيَّة مؤهَّلة قادرة على إنجاز مهام البناء والتطوير بشكل فعَّال ومبتكر. كذلك، ضرورة إعداد الأطقم التعليميَّة والبحثيَة المختصَّة المقتدرة على إنتاج مخرجات متميَّزة.
ثالثًا، إعداد مناهج تعليميَّة علميَّة نوعيَّة مبتكرة، وتبنِّي وسائل تعليميَّة حديثة تضاهي تلك المستخدمة في الجامعات الأجنبيَّة المتقدِّمة.
رابعًا، وضع ضوابط ومعايير علميَّة واضحة لقبول الطلبة الجُدد، وانتقالهم إلى المراحل المتقدِّمة والالتزام بها .
خامسًا، اعتماد خطَّة التطوير المرحلي، وإنشاء كلِّيات محدَّدة ذات مستوًى متقدِّم، ومن ثمَّ الانتقال إلى إنشاء كلِّيات أُخرى وفق استراتيجيَّة مترابطة وبرنامج زمني محدَّد.
سادسًا، التركيز على كلِّيات ومعاهد العلوم الصرفه، (الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء)، دون اهمال معاهد العلوم التطبيقيَّة والإنسانيَّة.
سابعًا، إنشاء مراكز بحوث متخصِّصة متطوِّرة، والتركيزعلى البحوث والدراسات العلميَّة الأصيلة.
الى جانب ما ورد اعلاه من مقومات النجاح، ثمة العديد من الشروط والمستلزمات والتفاصيل الضرورية الاخرى ، والتي يمكن ان يقدمها لنا الاساتذة المختصين في اقتصاديات التعليم، وفي حقل التخطيط التربوي وادارة المؤسسات الجامعية والمعاهد الاكاديمية العليا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال