الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نرى الشركات المساهمة وهي في حالة نشاطٍ دائمٍ، ونجد دوائرها تعمل بلا انقطاعٍ مثل خلية النحل؛ فإنَّ أول ما يتبادر للذهن هو رئيس مجلس الإدارة؛ على اعتبار أنَّه رأس الهرم الإداري في الشركة.
لكن الواقع يكون مُختَلِفَاً بشكلٍ جذريٍّ؛ حيث إنَّ الشخص الذي يُدِيرُ نشاط شركة المساهمة هو المدير التنفيذي وليس رئيس مجلس الإدارة، فالإدارة التنفيذية هي التي تتَّصل بالواقع، وتقوم بتفعيل نشاط الشركة.
وعلى الرغم من أنَّ الرئيس التنفيذي هو العمود الفقري لشركة المساهمة، إلاَّ أنَّ نصوص نظام الشركات السعودي جاءت حوله قليلةً ومختصرةً جداً، كالتالي:
لا يجوز أن يكون الرئيس التنفيذي هو نفسه رئيس مجلس الإدارة (م/81-1 نظام الشركات)، ولا أن يكون عضواً بلجنة المراجعة (م/101 نفس النظام)؛ ذلك حتى يكون رئيس المجلس بعيداً عن ضغوط المصالح التي تنشأ من خلال النشاط التنفيذي.
خضوع الرئيس التنفيذي لطلبات لجنة المراجعة في الشركة (م/103 نظام الشركات).
ضرورة توقيع الرئيس التنفيذي على حسابات الشركة (م/126-3 نظام الشركات)؛ ذلك بغرض فرض المسؤولية عليه في حال وجود أية تلاعباتٍ في الحسابات.
لكن نظام الشركات لم يُحدِّدْ صلاحيات الرئيس التنفيذي، تارِكَاً الموضوع للوائح الحوكمة.
وفيما يخصُّ شركات المساهمة المدرجة في سوق “تداول”، فإنَّ هيئة السوق المالية قد عرَّفت الإدارة التنفيذية أو كبار التنفيذيين بـ: “الأشخاص المَنُوط بهم إدارة عمليات الشركة اليومية، واقتراح القرارات الاستراتيجية وتنفيذها، كالرئيس التنفيذي ونوَّابه والمدير المالي” (م/1 لائحة الحوكمة).
يتَّضح من هذا التعريف أنَّ الرئيس التنفيذي هو رأس هرم العاملين في الشركة، وعقلها المدبر على أرض الواقع، فحتى القرارات الاستراتيجية التي يُقَرِّرها مجلس الإدارة قد يكون الرئيس التنفيذي هو من اقترحها ابتداءً، وفي جميع الأحوال هو مَن سيقوم على تنفيذها.
وإذا راجعنا الصلاحيات والمهام التي أناطتها لائحة الحوكمة بالإدارة التنفيذية، سنجدها كلُّها تصبُّ في ذات الإطار؛ إمَّا تنفيذ الأنظمة والقرارات أو اقتراح الخطوات الجوهرية (م/26 لائحة)، حتى أنَّ الإدارة التنفيذية هذه هي التي تمدُّ مجلس الإدارة بالمعلومات حول الخطوات الحسَّاسة جداً على مستقبل الشركة؛ مثل تعديل رأس المال أو حل الشركة (م/26-9 لائحة).
بالتالي، فإنّ المدير التنفيذي هو أهمُّ منصبٍ عمليٍّ في شركة المساهمة، وهو النافذة التي يرى من خلالها مجلس الإدارة ما يجري في هذه الشركة؛ وهذا يعني أنَّ احتمال تعارض مصلحة الشركة مع المصلحة الشخصية للرئيس التنفيذي يبقى مفتوحاً على مِصراعَيْه طالما كان قائماً على رأس عمله.
وأمثلة تعارض المصالح كثيرةٌ جداً؛ فقد يحصل الرئيس التنفيذي على عمولةٍ غير مشروعةٍ في مقابل التوقيع مع مقاوِلِين لحساب الشركة. وكمثال آخر، قد يكون الرئيس التنفيذي مُساهماً من خلال أقاربه في شركة منافسة لشركته؛ فيعمل على تخفيض الإنتاج وتخفيف نشاط التسويق بغرض توسيع حصَّة الشركة التي يُساهِمُ فيها من الباطن على حساب الشركة التي يُديرها.. وغيرها من حالات استغلال المنصب.
فكيف واجهت لائحة الحوكمة احتمالات استغلال الرئيس التنفيذي لمنصبه؟ وهل كانت هذه المواجهة كافية؟
يمكننا اختصار أهم قواعد لائحة الحوكمة التي تواجه مسائل تعارض المصالح مع الشركة في التالي:
قرار التعيين: يقوم مجلس الإدارة بتعيين الإدارة التنفيذية وتعيين رئيسها (م/25 لائحة الحوكمة)، على أن يُقَدِّم عضو مجلس الإدارة المستقل في المجلس رأياً في التعيين (م/31-1).
أمَّا عن العضو المستقل؛ فهو عضو مجلس إدارة الذي لا يقوم بأية عمليات تنفيذية يومية في الشركة ولا يكون مُتفرِّغاً لإدارتها، فهو يتمتَّع بالاستقلال التام في مركزه وقراراته (م/1 نفس اللائحة)، ولا يكون مستحوذاً على الشركة ولا تربطه صلة قرابةٍ بأعضاء مجلس الإدارة وغيرها من ضمانات الاستقلال (م/20 نفس اللائحة).
بهذه الطريقة، يكون تعيين الرئيس التنفيذي قراراً غير مستقل بالنظر إلى أنَّ قرار تعيين الرئيس لا يكون للأعضاء المستقلين فقط، بل يكون بمجرَّد أخذ رأيهم.
كما توجد مشكلة أخرى، هي أنَّ أعضاء مجلس الإدارة المُستقلِّين الذين يلعبون دوراً جوهرياً بتعيينه، قد يكون لهم مصالح مخفية أو أطراف ذوي علاقة بالشركة، خاصَّةً إذا كانت الشركة عائليةً ثم تحوَّلت إلى مساهمةٍ؛ ففي مثل هذه الحالات يكون نفوذ العائلة مُتشعِّباً داخل مجلس الإدارة وقد يصل إلى الأعضاء المُستقلِّين.
معايير التعيين: تقوم لجنة الترشيحات في الشركة بدور جوهري في اقتراح الأشخاص الذين تراهم مناسبين للحصول على منصب الرئيس التنفيذي، فهي التي تُحدِّد معايير وسياسات الترشيح (م/65-1 لائحة الحوكمة)، في الوقت الذي لا يجوز أن يكون من بين أعضاء لجنة الترشيحات أي عضو مجلس إدارةٍ تنفيذيٍّ (م/64-أ نفس اللائحة).
ضمانات التعيين: لا جواز تعيين رئيس مجلس الإدارة رئيساً تنفيذياً حتى يمضي على الاستغناء عن خدماته كرئيسٍ للمجلس عاماً كاملاً (م/28 لائحة الحوكمة)، وألاَّ يكون عضواً في لجنة المراجعة (م/54-أ)، ولا لجنة المكافآت (م/60-أ).
مثل هذه المحظورات، تُساعِدُ على عدم استغلال الرئيس التنفيذي لمنصبه في أعمال اللجان التي وُجِدَت أساساً حتى تُرَاقِبَ عمله وتُتَابِعَه عن كثبٍ، لكن لا يوجد ما يمنع تغلغل نفوذ الرئيس التنفيذي لهذه اللجان.
الإفصاح عن المصالح: بعد أن يُقَدِّم تقرير مجلس الإدارة تفصيلاً لأعضائه التنفيذيِّين (م/90-4 لائحة الحوكمة)، فيجب توضيح الأعمال والعقود التي تقوم بها الشركة والتي تنطوي على مصالح للإدارة التنفيذية أو تقديم إقرارٍ بعدم وجود مثل هذه المصالح (م/90-34 نفس اللائحة).
في الحقيقة، يمكن أن يُفِيدَ الإفصاح عن المصالح بتسهيل مهام لجان المراجعة والالتزام في الشركة، كما يُفِيدُ الإقرار المذكور في إقامة المسؤولية على الأعضاء التنفيذيِّين إذا أخفوا مصالحهم، لكن هذه الإجراءات لا يمكن -بأي حالٍ من الأحول- أن تضمن عدم تضرُّر الشركة من استغلال الرئيس التنفيذي لمنصبه.
بالنتيجة، بإمكاننا القول بأنَّ نظام الشركات وقواعد الحوكمة بحاجة إلى إعادة نظر بخصوص الرئيس التنفيذي لشركة المساهمة من محورين:
*الأول سلطة تعيين الرئيس التنفيذي، فيمكن منح سلطة تعيينه للجمعية العامة عبر انتخابه بأغلبية المساهمين،
*والثاني في الكشف عن مصالح الرئيس التنفيذي بشكلٍ مُبكِّرٍ وعدم منحه فرصةً لاستغلال منصبه، وهذا الأمر يحتاج إلى تفعيل دور لجنة المراجعة على أرض الواقع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال