الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بناءً على تأكيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صرحت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) مؤخرا في “منتدى التقنية الرقمية”، والذي اقُيم في شهر أغسطس ٢٠٢١م، فإن طموح المملكة هو الوصول لأفضل ٥ دول في مجال الذكاء الاصطناعي، بحلول عام ٢٠٣٠م، تماشيا مع أهداف الرؤية، ومنها توطين الذكاء الاصطناعي بالمملكة.
ولنبدأ بتعريف الذكاء الاصطناعي.. وبأبسط العبارات هو، الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام المختلفة، ويمكنها أن تُحسن من نفسها وتطور من ادائها، تلقائيا مع الوقت، استنادًا إلى المعلومات التي تقوم بجمعها. أي بمعني اخر، الذكاء الاصطناعي هو البرامج الحاسوبية التي تحاكي القدرات الذهنية البشرية، وأنماط عملها، ومن أهم هذه القدرات هو التعلم والاستنتاج و ردات الفعل المناسبة. وبعض المراجع تلخص تعريف الذكاء الاصطناعي في جملة واحدة بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”.
وفي هذا المقال، سوف اقوم بتسليط الضوء على وضع المملكة الحالي في مجال الذكاء الاصطناعي، وكذلك تحليل لما يجب الوصول إليه وتحقيقه في هذا المجال من أجل تحقيق طموح المملكة بأن تصبح من أفضل ٥ دول في مجال الذكاء الاصطناعي، كوضع مستقبلي.
(الوضع الحالي)
في السنوات الحالية.. يعمل الذكاء الاصطناعي في أكثر من نطاق، أولها نطاق الأنظمة الذكية، حيث يتم التحليل التنبؤي للبيانات من خلال معالجة الذكاء الاصطناعي لكميات كبيرة من تلك البيانات، وتعزيز القدرة على التحليل المستقبلي، واستنباط القرارات الصائبة، في المؤسسات والمنظمات والوزارات والهيئات. والنطاق الآخر هو، الروبوتات و الدرونز الذكية.
ويوجد العديد من الأمثلة عن هذين النطاقين وهي ما يتم تنفيذه والعمل عليه في المملكة.. وهي كالتالي..
في عام ٢٠٢٠م، تم العمل على أنظمة ذكية، داخل المملكة من خلال وزارة الصحة السعودية، للتنبؤ بأعداد الإصابات المحتملة بجائحة الكوفيد في المملكة، اعتمادًا على بعض العوامل مثل بيانات الكثافة السكانية، والعمر، والوظيفة للأفراد، وسياسات الإغلاق المعتمدة حينذاك، وعدد الأسرة المتوفرة في المستشفيات، وغيرها. وبناءً على تلك المدخلات، في هذه الأنظمة الذكية، كان التنبؤ ممكناً باحتماليات زيادة أو نقصان الإصابات المستقبلية، وبناءً على ذلك، تم الاستعداد لمواجهتها والتخطيط المبكر لذلك.
كما أن الذكاء الاصطناعي هو أحد أساسات مشروع نيوم، بجعلها مدينة مستقبلية فريدة من نوعها، بها مستشفيات ذكية قادرة على قراءة وتحليل التشخيصات الطبية، وتنبؤ الحالات الصحية المستقبلية للمرضى، وكذلك منازل ومدارس ذكية تعمل على تقنيات متطورة مثل “إنترنت الأشياء” و”المترجم الآلي”. ومن أهم عوامل نجاح الذكاء الاصطناعي بالمدينة الذكية نيوم، هو وجود البنية التحتية التي تخدم التمديدات الذكية، والطرق الذكية، والكهرباء الذكية، والمياه الذكية. كما أنه ومن أهداف الذكاء الاصطناعي في نيوم أيضاً، هو توفير اتصالات عالية الجودة، لإتمام المعاملات ووصول المعلومات بسرعة عالية.
وفي قطاع الطاقة، يستطيع الذكاء الاصطناعي خفض استخدام الكهرباء على المستوى الوطني بنسبة ١٠%. كما يساهم الذكاء الاصطناعي في حماية الأنواع المهددة بالانقراض حيث يمكن للأنظمة الجديدة استخدام تحليلات الصور والتعلم الآلي لتتبع أعدادها ومواقعها، وكذلك حماية وإدارة المحيطات على نحو مستدام.
بالإضافة إلى جميع ذلك، فقد تم استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم ومعرفة المعاملات البنكية والتجارية والتي يوجد بها احتمالية كبيرة للفساد المالي أو غسيل الأموال أو الإرهاب أو العمليات غير المشروعة الأخرى، وتم التحليل والتكهن بذلك في وقت قصير وبدقة وسرعة كبيرة. ويمكن أيضًا للذكاء الاصطناعي الكشف عن أي أنشطة مخالفة في أنظمة أخرى، مثل المخزون والمحاسبة، حيث يمكنه التعرّف على أي علامات تشير إلى وجود نشاط غير متعارف عليه.
ومن جهة أخرى، فإن برامج الأمن السيبراني المُدعمة بالذكاء الاصطناعي قادرة على توفير حماية أكثر من غيرها من البرامج. وبدلاً من التعامل مع التهديدات بعد حدوث خسائر، فإن برامج الأمن السيبراني المُدعمة بالذكاء الاصطناعي تكشف عن أي نشاط غير عادي، مبكرا، بحيث يمكنها إيقاف هذه التهديدات المحتملة أو الإنذار بها قبل وقوع أي خطر.
وكذلك، وفي نطاق آخر لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، فقد تم استخدام الروبوتات والدرونز الذكية في العديد من عمليات الإنقاذ، في حالات الحرائق والزلازل والبراكين وغيرها، من خلال الوصول إلى الأماكن الخطرة أو المرتفعة أو الضيقة، والتي لا يستطيع الإنسان الوصول إليها من دون المخاطرة بحياته، وذلك يُعد من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية. كما نجحت المملكة، في عام ٢٠١٨م من صنع روبوت ذكي لتفكيك الألغام والمتفجرات. ونجحت المملكة أيضا في صنع “روبوت التفتيش” التابع لأرامكو، والذي يمكنه استشعار الغازات الخطرة والقابلة للاشتعال والكشف عن الشروخ والتآكل وغيرها من مهام ضمان السلامة للإنسان.
ومن جهود المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي أيضاٌ، صدور الموافقة من قبل المقام السامي على الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في عام ٢٠٢٠. وتعمل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” حالياً على إطلاق الاستراتيجية وتفعيل مبادراتها مع الجهات المختلفة. كما تم إنشاء أكاديمية سدايا مؤخراً، لبناء القدرات الوطنية، وبها معسكرات “سدايا” لعلوم البيانات، وفيها يتم تعلم لغة بايثون والتعلم الآلي وتحليل البيانات والتعلم الاستنتاجي ومعالجة اللغة الطبيعية وغيرها من القدرات المعرفية. كما تتوفر العديد من المراجع والدورات التدريبية المختصة، والتي تمكن من رفع الوعي وبناء القدرات المؤسسية، للافراد ورواد الأعمال والمؤسسات، في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويوجد العديد والعديد من الأمثلة والمبادرات، والتي قامت المملكة بتنفيذها مثل تنظيم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في عام ٢٠٢٠م ، ونجحت من خلال جميع تلك الجهود والمبادرات في تحقيق المركز الأول عربياً، والمركز ٢٢ عالمياً في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي في عام ٢٠٢٠م.
(الوضع المستقبلي)
ولكي تصبح المملكة من أفضل ٥ دول في الذكاء الاصطناعي بحلول عام ٢٠٣٠م، يجب عليها أن تتمكن من تحقيق عدد من الإنجازات الإضافية والتغلب على بعض العوائق التي قد تمنع من تحقيق الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي، وهي عوائق يواجهها العالم أجمع على المستوى الدولي ويسعى في إيجاد حلول لها، وتتمثل في: جودة البيانات، والانجازات العلمية المميزة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتخطيط على المستوى الاستراتيجي، وعدم التحيز.
أما العائق الأول وهو جودة البيانات، لكي تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بعملها، لابد أن يتم تدريبها على البيانات لتتعلم أداء وظيفتها، وفي معظم المؤسسات، قليلاً ما يتم توفرها بشكل تام وكافي وبجودة عالية، وبدون بيانات ذات جودة عالية، ستجد المؤسسات صعوبة كبيرة في الاعتماد على هذه الأنظمة الذكية، للحصول على النتائج المرجوة. والمملكة تبذل الكثير من الجهود الحالية من أجل ضمان وجود بيانات كافية وموثوقة للاستخدام، في جميع النطاقات.
والعائق الثاني هو التمكن من تحقيق إنجازات علمية مميزة دوليا في مجال الذكاء الاصطناعي، عن طريق امتلاك حصة كبيرة من الأبحاث العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيد الدولي، وكذلك النجاح في التوصل إلى عدد كبير من براءات الاختراع وتنفيذ ابتكارات علمية رائدة في علم صناعة الروبوتات والدرونز والأجهزة والأنظمة الذكية، في مجالات الطب والأبحاث العلمية والصناعات والطاقة والتعليم والفضاء وغيرها. كما يجب امتلاك محليا العديد من الشركات التقنية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التي وعن طريق توظيف عدد كبير من الكفاءات البشرية الشابة المحلية، تستطيع ابتكار وبناء وتوفير خدمات وبرمجيات وأدوات وأنظمة تقنية ذكية، وتتمكن أيضا من صناعة منتجات ومعدات وآلات ذكية تقنية مميزة، محليا ودوليا، للتفوق في مؤشر التنافسية العالمي.
والعائق الثالث وهو التخطيط على المستوى الاستراتيجي، فبالرغم من أن المؤسسات والهيئات والشركات تدرك تماماً أهمية الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، والفوائد الإيجابية التي يمكن أن يقدمها، فإنها أحيانا قد لا تنجح في التعامل معها من وجهة نظر استراتيجية، وهذا يعني أنه لابد من التركيز على فهم نقاط وأهداف جميع جوانب عمليات الذكاء الاصطناعى فهما جيدا ابتداء من جمع البيانات، إلى الاستثمار المادي في المبادرات المجدية وخاصة “الابداعية”، وكذلك الاشراف على الكيفية التي يتم بها نقل الخبرات إلى مجموعات العمل المختلفة خاصة من الكفاءات الشابة، وأيضا بناء الجامعات والمؤسسات التدريبية المختصة في علوم الذكاء الاصطناعي. والمملكة قد قامت بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي “نسدي” والتي ترتكز على ستة أبعاد، أحدها هو تمكين أفضل المؤسسات البحثية المتخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي لقيادة الابتكار وتعظيم الأثر المنشود. ولا زال هناك العديد من الأهداف الجديدة والتي يُمكن اضافتها، خاصةً الأبحاث والمبادرات في المجالات العلمية والتعليمية والطبية والصناعية والتجارية والعسكرية، للتمكن من الوصول إلى أفضل ه دول في الذكاء الاصطناعي بحلول عام ٢٠٣٠م.
أما العائق الرابع فهو التحيز، فالتحيز صفة بشرية وفي كثير من الأحيان، قد يتم نقل التحيز إلى البيانات بسبب ادخالات البشر للبيانات حسب فهمهم للمجريات والاحداث. ولأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا يمكنها القيام بوظائفها دون الحصول على البيانات، فالتحيز البشري الموجود في بعض أنظمة التعلم الآلي، قد ينتج عنه نتائج غير دقيقة، بسبب البيانات والخوارزميات المستخدمة. وأحد الأمثلة على ذلك، هي السيارات ذاتية القيادة، في بعض الدول الغربية، والتي تحصل على المزيد من البيانات المتوفرة من الأحياء الثرية، لأن هذا هو المكان الذي ستذهب إليه هذا السيارات أولاً. وحينها يتم تحيز البيانات ونتائج الذكاء الاصطناعي. ولذلك يجب الحصول على نتائج صحيحة من خلال بيانات دقيقة في مجال الذكاء الاصطناعي لكي يصبح المصدر موثوقا في النتائج.
طموح المملكة لا حدود له.. وقد تم إنجاز الكثير خلال السنوات القليلة الماضية.. وسيستمر إنجاز المزيد والمزيد مستقبلاً، وهو ما نُبهر العالم، يوما بعد يوم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال