الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يؤكد عامة المختصين في التنمية الحضرية والاقتصاد وعلوم الاجتماع، أن وسط المدينة على مر العصور هو قلبها النابض وأهم منطقة تحفظ التاريخ وتمد المستقبل بمقومات الحياة.
لك مدينة قامت بفعل الاستيطان البشري دورة حياة زمنية ومكانية تمتد على اتساع رقعة الأرض بحسب حاجة السكان وقدرتهم على البعد عن وسط المدينة ومركز الخدمات بها. فالبناء في المدن عادة عملية تراكمية تتسع وتزداد وتيرتها مع الزمن بفعل عوامل عدة أهمها النمو السكاني والاقتصادي والحضري بشكل عام.
دورة حياة المدن تبدأ صغيرة، ثم مكتملة ناضجة، لتصل لمرحلة الشيخوخة و الهرم. ف من سمات المدينة في مرحلة الصغير، صغر الحجم وقلة عدد السكان والخدمات، تستمر في النمو بفعل عوامل التنمية حتى تصل الى مرحلة النضج بالاكتفاء والانكفاء الى الداخل، وذلك بسبب مشكلات تصاحب مرحلة النضج مثل الاكتظاظ السكاني وتدني مستوى المرافق والخدمات وجودة الحياة بها. فيبدأ السكان في الهجرة منها او الاستقلال عنها في ضواحي بعيدة عن مشاكل المدينة التي ظهرت. بعد ذلك -اذا استمر الحال على ما هو عليه- تصل المدينة لمرحلة الشيخوخة عندما يصبح قلب المدينة النابض متهالك وغير مجدي استثماريا واقتصاديا واجتماعيا فهو طارد للسكان الأصليين “غير المهاجرين من خارجها اليها” وهي مرحلة لا أحد أن تصل اليها أي مدينة.
حرصاً على عدم وصول المدن خاصة العواصم لمرحلة الشيخوخة، لابد من إعادة احياء قلبها النابض. حيث تحتفظ المدينة بالتاريخ والحضارة والثقافة. فإذا عادة الحياة للمركز سهل على ادارة المدينة توجيه التنمية من جديد الى جهات المدينة الممتدة حتى تصل الى الأطراف.
تمتاز منطقة وسط المدن عادةً بمقومات شديدة الأهمية للنمو والمحافظة على التنمية، من أهمها توفر بنية تحتية جاهزة للمرافق، تملك سمة تاريخية وعنوان للمدينة، تملك بنية تحتية لمراكز خدمية واقتصادية كاملة. هذه المرافقة والخدمات تكون عادة قد استهلكت لكن يسهل تجديدها وتطويرها مقارنة بإنشاء أخرى أقل جدوى اقتصادية واجتماعية.
لكي يتم تطوير وسط المدن لابد من اعتماد مخطط تنمية شامل لهذه المنطقة يرسم سمة التنمية المستهدفة في المستقبل في نوعية السكان والخدمات والمرافق وكيفية اختيارها وتوزيعها وتنميتها والحفاظ عليها وتنسيق التكامل فيما بينها مع بعضها ومع أجزاء المدينة الأخرى.
تطبق العديد من المدن التي لها تاريخ في عصرنا الحاضر براج تنمية خاصة بهذه المناطق تساعد على حفظ قيمة هذه المناطقة ومبانيها وعقاراتها بما يحفظ قيمتها المادية والمعنوية والحضارية ويزيدها مع مرور الزمن. من هذه المدن على سبيل المثال مدينة لندن رغم ما تعرضت له خلال الحروب العالمية الأولى والثانية إلا أنك تجد وسط لندن يحتفظ بثقافته وقيمته وجودته العمرانية والاقتصادية والسكانية، وكذلك باريس ومدريد وغيرها.
نحتاج مثل هذه البرامج التنموية لمدننا الرئيسية لكي تحافظ على قيمتها وتحمي المدينة بالكامل من الانحدار لمرحلة الشيخوخة وفرار السكان منها. مع أهمية التنبه الى أن تكون مثل هذه العملية التنموية عملية حيوية تشرك السكان في التخطيط للحاضر والمستقبل، لكي لا تتحول برامج تطوير وسط المدن –كما في بعض التجارب- الى هياكل خرسانية جميلة الشكل لكنها خالية من السكان والمستخدمين والمستثمرين إذا لم تكن تلبي حاجة السوق ومساهمة الجميع في التحسين وجني المنافع.
أختم هنا بتجربة كانت ناجحة الى حد كبير في أحد أحياء مدينة الرياض –لم يكن الحي في المركز لكن في أحد الاحياء التي تعتبر من الأحياء القديمة الآن- “حي القدس” حيث تم تخطيط جزء من الحي لم يكن مطوراً بعد، ثم وجدنا إقبالاً ملحوظاً على الشراء فيه بأسعار لا يصل اليها بقية الحي، كما رفعت في نفس الفترة أسعار الحي فيما جاوره، مما يؤكد على أن أي منطقة في وسط المدينة ستكون مؤهلة لتحقيق مكاسب مادية واجتماعية مجزية بقدر ما تقدمه من فرص وتنظيم وخدمات للسكان بعد التطوير.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال