الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اتفاقية السرية، وتسمى أيضا عدم الإفصاح ( Non-Disclosure Agreement ) تنشأ بين طرفين بهدف حماية المعلومات المتبادلة وعدم إفشائها أو تمريرها لطرف ثالث إلا وفق ترتيبات تحددها الاتفاقية أهمها موافقة الطرف الآخر. يمكن توقيعها بين عدة أطراف أو من قبل طرف واحد وتكون في هذه الحالة (تعهد) يلتزم به طرف تجاه طرف. تبرمها الشركات فيما بينها والمنشاءات مع منسوبيها والمنظمات الصحية مع الكوادر الطبية حفاظا على حقوق وخصوصيات المرضى وغير ذلك من الأغراض المتعددة لهذه الإتفاقية . لم تكن مألوفة في قطاع الأعمال السعودية على عكس الشركات الأجنبية التي تنبهت لها منذ زمن بعيد وتعدها ضمن الوثائق الأساسية في أعمالها، إلا أنها أصبحت مؤخرا تستخدم محليا على نطاق واسع من قبل القطاعات المتنوعة بعد أن أدركت المنظمات أهمية حماية المعلومات وما يصاحب إفشائها من خطورة على مصالحها الصناعية والأمنية والتجارية والاقتصادية.
الإتفاقية الفاعلة ليست مجرد التزام بعدم الإفصاح ولكنها تقدم بنودا متعددة للتعامل مع المعلومات المستلمة، وبحسب درجة أهمية المعلومات المتبادلة تكون الإتفاقية مباشرة وشاملة ، وقد تكون دقيقة ومتطورة بحيث تحدد درجة الأهمية لكل صنف من المعلومات وآلية حمايتها و الأشخاص المفوضين بالوصول لها ومجالات الاستعمال ومدة الاحتفاظ بها والإلتزام بإتلافها بعد إن تحقق الهدف الذي قدمت من أجله.
من المآخذ التي لاحظتها على بعض الاتفاقيات التي أطلعت عليها أنها تربط بين اتفاقية السرية والعلاقة المزمع إقامتها ضمن أهداف الاتفاقية ، وهذا – من وجهة نظري – يشكل ثغرة في الإتفاقية إذا علمنا أن المعلومات ستكون متبادلة في مجالات شتى طالما أن هناك علاقة وتواصل، فضلا عن أن هذا النمط يفترض أن يتم توقيع إتفاقية لكل علاقة أو مشروع وبشكل مستقل وفي حال الإخفاق في توقيع اتفاقية مستقلة لكل علاقة فإن المعلومات التي تقدم لأعمال أخرى لن تكون مشمولة بالاتفاقية الموقعة ذات الهدف المحدد. الخيار الأمثل هو توقيع اتفاقية شاملة لحماية جميع المعلومات من أي نوع ولأي غرض وبأي وسيلة دون التطرق لعلاقة معينة.
والأهم من هذا أن لا تتجاوز نطاق عملها – وهو حماية المعلومات – إلى عمل العقد ( أو الوثائق الأخرى ) لأن هذا سيخلق التضارب بين الوثيقتين مما يبطل أو يوهن عمل أحداهما.
يظل التنفيذ هو الجانب الأضعف في اتفاقية السرية ، معظم الإتفاقيات ترتب الالتزامات بشكل دقيق وشامل فهي كما يصف القانونيون ( جامعة مانعة) لكنها تفتقر لآلية التنفيذ ، بمعنى أنها لا تقدم العقوبات والأدوات لإنقاذها ، يصاحب ذلك جهل الكثير من المنشآت المستلمة للمعلومات بأهمية هذه الاتفاقية وخطورة خرقها. فالكثير من هذه المنشآت – لاسيما المتوسطة والصغيرة – ما زالت تنظر لها كاتفاقية شكلية. من الأدوات التي قد تكسبها القوة ربط إستمرار العلاقة بمدى التقيد باتفاقية السرية، أي أن الجهة المانحة للمعلومات تعطي لنفسها حق إنهاء العلاقة أو العقود المبرمة في حال الإخلال ببنود اتفاقية السرية.
في الشق القضائي وبالرغم من أن اتفاقية السرية أصبحت مألوفة لدى المحاكم القضائية إلا إن إهتمام الكثير من الدوائر ما زال في الحد الأدنى ، يبرر ذلك – كما أراه – الثقافة العملية السائدة التي لا ترى الإتفاقيات إلا في قيمتها المالية المباشرة وفي الأنماط التقليدية مثل البيع والإجارة ونحوها. والأهم من ذلك إرتباط قضاياها بطلبات التعويض وهي الطلبات التي ما زالت تنظر له محاكمنا بشيء من الريبة خلاف الحقوق القطعية، فضلا عن اعتبارها أضرار معنوية أو أدبية وهي الأضرار التي لم تحظ باهتمام القضاء بعد . مع إقرار نظامي حقوق الملكية الفكرية و التطوير الكبير الذي شهدته المحاكم التجارية، تشريعا وتطبيقا، ومع إعتبارٍ النظام للعرف التجاري فإننا نتوقع ان يحظى هذا النوع الهام من الاتفاقيات بأهمية أكبر لدى المحاكم، مع يقيننا بادراك القضاء لأهمية صون المعلومات وأن سوء استعمالها يرتب لخسائر تجارية أو صناعية أو اقتصادية ذات قيمة مالية تتكبدها الجهة المتضررة من الإفشاء.
مؤخرا أقر مجلس الوزراء نظام حماية البيانات الشخصية والذي ترعاه وتشرف على تطبيقه الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ( سدايا) كسياج تشريعي لحماية البيانات وتنظيم تدفقها واستعمالها في واقعنا التقني الجديد. هذا التشريع الجديد من نوعه يؤسس لثقافة عملية ومجتمعية تعزز التعامل الرقمي ولعل إتفاقيات السرية من الأدوات التي تمكن المنشآت من الإستجابة لمقرراته والمسؤوليات التي يضعها على مستلمي البيانات ، مما يشجعها – أي المنشاءات – على إبرام إتفاقية عدم الإفصاح مع منسوبيها تنظم تعاملهم مع البيانات ، لا سيما الذين يتعاملون مع بيانات الأطراف الأخرى ، كيانات وأفراد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال