الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحتاج شركات المساهمة إلى إدارةٍ موضوعيةٍ ونزيهةٍ بالدرجة الأولى، قبل حتى أن تكون إدارة كفء.
والسبب هو ارتفاع مبالغ التعاملات المالية والتجارية التي تتمُّ من خلال الشركة، وتشابك العلاقات والمصالح فيما بين الشركة ذاتها وباقي الشركات والمشاريع والجهات التجارية والصناعية والخدمية المختلفة.
من هذه النقطة، تبدو أهمية انتماء إدارة الشركة للشخصية الاعتبارية الخاصة بالشركة ذاتها؛ أي أن يكون مُنْطَلَق قرارات هذه الإدارة هو تحقيق مصلحة الشركة والمساهمين، وليس المصالح الشخصية للإدارة ذاتها.
بمعنى أنَّ ترسخ ثقافة استقلال الشركة من حيث الشخصية والذمة المالية والمصالح، هو الكفيل بتوضيح الصورة أمام إدارتها، وهنا إمَّا أن تختار الإدارة مصلحة الشركة المُستَقِلَّة أو أن تفضل المصالح الشخصية على مصلحة الشركة والمساهمين، وهذا هو بالضبط ما يَقضِي على مستوى الحوكمة.
وبالنسبة لإدارة الشركة، فهي تَسِير تحت سلطة إدارية عليا تتمثُّل بمجلس الإدارة، وسلطةٍ تنفيذيةٍ تتمثَّل بالمدراء التنفيذيين في الشركة، كل هؤلاء هم تحت رقابة الجمعية العامة للمساهمين.
بالتالي، فإنَّ السلطة الإدارية الأكثر ارتقاءً من حيث السلطات هي سلطة مجلس الإدارة، في حين أنَّ السلطة الأكثر فاعلية من الناحية العملية هي للإدارة التنفيذية.
ولكن المهام التنفيذية في الشركة تسمح بالتعامل المباشر باسم الشركة وتوقيع العقود عنها -وما شابه من الاحتكاك المباشر مع العملاء والمتعاقدين-، هذا الأمر يسمح للمدراء التنفيذيين -بقيادة رئيسهم- أن يقوم بتفضيل بعض العملاء على بعض أو بترشيح فئةٍ من التعاقدين على حساب فئةٍ أخرى، كل ذلك يجري من تحت الطاولة بهدف خدمة المصالح الشخصية لهؤلاء التنفيذيين في الشركة.
لهذا، كان لا بدَّ لمبادئ الحوكمة أن تفرض سياجاً على الإدارة العليا، هذا السياج هو الشبهة التنفيذية؛ بمعنى عدم جواز اقتراب هذه الشبهة من مجلس الإدارة قدر الإمكان، ولهذا أكَّدت معايير الحوكمة الصادرة عن مجموعة العشرين لعام 2015 على ضرورة أن يحتوي مجلس الإدارة على أعضاءٍ غير تنفيذيين (م/VI، صـ45).
ومن هنا، نجد نظام الشركات السعودي يحظر أن يكون رئيس مجلس الإدارة هو ذاته الرئيس التنفيذي أو أيِّ “منصب” تنفيذي (م/81-1 شركات)، وحتى بعد انتهاء مهام رئيس مجلس الإدارة، فلا يجوز تعيينه رئيساً تنفيذياً خلال السنة الأولى من انتهاء خدماته (م/28 لائحة حوكمة الشركات المدرجة).
وهكذا يتمُّ الفصل بين القيادة والتنفيذ من حيث رأس الهرم الإداري.
لكن الإشكالية تظهر في نظام الشركات في جواز قيام رئيس مجلس الإدارة بالمهام التنفيذية تحت مستوى الرئيس التنفيذي أو المناصب التنفيذية، فهل يمكن أن تنال الشبهة التنفيذية من رئيس مجلس الإدارة؟.
مبدئياً يبدو حظر تبوُّء المنصب التنفيذي لرئيس مجلس الإدارة واضحاً في نظام الشركات (م/81-1 شركات)، حتى أنَّ لائحة حوكمة الشركات المدرجة حظرت هذا الأمر، ذلك وإن نصَّ نظام الشركة على غير ذلك (م/24-ب لائحة).
لكن لائحة الحوكمة المذكورة نصَّت على أمثلةٍ للمناصب التنفيذية المحظورة على رئيس مجلس الإدارة، وهي العضو المنتدب من المجلس للقيام بمهامٍ مُحدَّدةٍ أو الرئيس التنفيذي أو المدير العام للشركة (نفس المادة).
وهنا نتساءل:
هل ينحصر حظر الشبهة التنفيذية على رئيس مجلس الإدارة فيما يخصُّ “المناصب” التنفيذية؟ أم إنه يشمل “المهام” التنفيذية غير القيادية أيضاً؟
الحقيقة، لا يمكن تحميل نصوص نظام الشركات ولائحة الحوكمة بأكثر ممَّا تحتمل من معنى، خاصَّة أن اللائحة المذكورة قد طرحت أمثلةً محصورة في مجال المناصب وليس المهام.
بالتالي، فإنَّ رئيس مجلس الإدارة ممنوعٌ من الحصول على منصب الرئيس التنفيذي أو المدير في أية مهامٍ تنفيذيةٍ، لكن لا يوجد أيُّ مانعٍ نظاميٍّ أو لائحيٍّ صريحٍ يمنع من تعيينه على مستوى عضوية اللجان التنفيذية مثلاً؛ طالما أنَّ هذه العضوية لا تصل إلى مستوى “المنصب”، بل هي مُجرَّد “مهمة” تنفيذية.
هذه النقطة في غاية الحساسية على استقلال وموضوعية رئيس مجلس الإدارة؛ خاصَّةً أنَّ رئيس مجلس الإدارة يملك صلاحيات حسَّاسةٍ على مصير الشركة مثل تمثيلها، وضمان التواصل مع المساهمين والإشراف على المجلس حتى إعداد جدول أعماله، والإبلاغ عن المصالح المباشر وغير المباشرة لأعضاء المجلس (م/27 لائحة الحوكمة).
لكن الاختصاصُ الأهمُّ لرئيس مجلس الإدارة فيما يتعلَّق بالشبهة التنفيذية، هو القيام بعقد اجتماعاتٍ دوريةٍ مع أعضاء المجلس من غير التنفيذيين (م/27-8 لائحة).
فكيف يمكن لرئيس مجلس الإدارة أن يجتمع مع الأعضاء غير التنفيذيين في اجتماعٍ مُستقلٍّ بشكلٍ كاملٍ، وأن يكون لهذا الرئيس مهامٌ تنفيذيةٌ في نفس الوقت؟
يبدو بشكلٍ واضحٍ أنَّ أية مهامٍ تنفيذيةٍ لرئيس مجلس الإدارة تتعارض مباشرةً مع رئاسة المجلس المستقل غير التنفيذي.
ومن هنا، نؤكِّد على ضرورة إضافة نصٍّ جديدٍ على نظام الشركات ولائحة الحوكمة، بحيث يتمُّ حظر أيِّ منصبٍ أو مهمةٍ تنفيذيةٍ لرئيس مجلس الإدارة، وعدم الاكتفاء بحظر المنصب؛ خوفاً من حدوث اختراق للشبهة التنفيذية إلى مستوى رأس الهرم الإداري للشركة.
حيث إنَّ إضافة مثل هذا النص يكفل عدم وجود أية حجَّةٍ قد يتمسَّك بها رئيس مجلس الإدارة في حالة رغبته بتنفيذ العمليات في الشركة، وهي المهمة التي قد تسمح له باستخدام شخصية الشركة بهدف خدمة مصالحه الشخصية على حساب تدمير مصالح الشركة والمساهمين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال