الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإنجاز مجهود شخصي ، وأنت من يحدده و يفرح به. المحيطون بنا يشكلون دوائر للتحفيز والتشجيع أو ربما للسخرية أو النقد. النتيجة تحددها الدائرة التي تعتزم الانضمام لها وتؤثر في قرارك ومسيرة حلمك ومشروعك.
في صباح يوم بارد وقف رجل في إحدى محطات المترو في العاصمة الأمريكية واشنطن وبدأ يعزف الكمان. عزف مقاطع مختارة من أرقى مقطوعات الموسيقي العبقري باخ لمدة ٤٥ دقيقة تقريبًا. خلال ذلك الوقت – وكانت ساعة الذروة – مر حوالي ألف شخص في محطة المترو معظمهم في طريقهم إلى العمل. مرت ثلاث دقائق تباطأ رجل في منتصف العمر في سيره وتوقف لبضع ثوان، وهو يستمع لمقطوعة الموسيقي، ثم هرع للحاق بالوقت. بعدها بدقيقة تلقى عازف الكمان الدولار الأول ! كان من امرأة ألقت له المال دون أن تتوقف وواصلت المسير ! واستند شخصٌ إلى الجدار للاستماع إليه لبضع دقائق، ثم نظر إلى ساعته و مشى مرة أخرى و كان من الواضح أنه قد تأخر عن العمل.
كان أكثر من أبدى قدرًا من الاهتمام طفلٌ يبلغ من العمر ٣ سنوات كانت والدته تحثه على السير لكنه توقف لإلقاء نظرة على عازف الكمان. وأخيراً، واصل الطفل المشي، مديرًا رأسه طوال الوقت، وكرر هذا الأمر العديد من الأطفال الآخرين. جميع الآباء – دون استثناء – أجبروا أطفالهم على مواصلة السير ، وجميع الأطفال – دون استثناء – حاولوا التوقف والاستماع !
خلال هذه المدة – ٤٥ دقيقة – من عزف الموسيقى، لم يتوقف ويستمع لمدة من الوقت سوى ٦ أشخاص. وقدم له ٢٠ من الذين مروا – تقريبًا – المال، ثم واصلوا سيرهم بوتيرة طبيعية. و كانت حصيلة هذا العزف خلال هذه المدة – ٤٥ دقيقة – مبلغ ٣٥ دولارًا. و عندما أنهى العزف و ران الصمت، لم يلاحظه أحد ! بل لم يصفق أحدٌ له !!
لم يلاحظ أحد أن عازف الكمان هو نفسه “جوشو بيل” أحد أشهر الموسيقيين الموهوبين في العالم. وأنه عزف مجموعة من القطع الموسيقية الأكثر تعقيدًا. و كان يعزف على كمان قيمته ٥٫٣ مليون دولار. و أنه قبل يومين من لحظة عزفه في مترو الأنفاق ، بيعت تذاكر حفلته في أحد المسارح في بوسطن بمتوسط ١٠٠ دولار !!
“جوشو بيل” عزف في محطة المترو ضمن تجربة نظمتها واشنطن بوست كدراسة اجتماعية حول الإدراك وأولويات البشر. و كان أساس الفكرة هو:
– هل ندرك الجمال في جو غير مناسب ؟ و في ساعة غير مناسبة ؟
– هل نتوقف لنقدّره ؟
– هل نتعرف على الموهبة في سياق غير متوقع؟
كان أحد أهم الاستنتاجات من هذه التجربة هو:
إذا لم تكن لدينا لحظة للتوقف والاستماع إلى واحد من أفضل الموسيقيين في العالم ، فكم فاتنا من اللحظات الجميلة حولنا – والتي قد لا تتكرر – أثناء مسيرة الحياة لم نستمتع بها ؟!
الانجاز نتيجة حتمية للإيمان بما نعتقد ونحلم به. كيف يمكن أن ننجز اذا لم نؤمن بما نعمل؟ كيف لنا أن ننجز اذا لم يكن ما ننجزه اليوم حلما لدينا بالأمس؟ ما نعيش فيه اليوم من رفاهية وترف المعيشة بكل تفاصيلها كانت يوما حلما في رؤوس أشخاص ما. وعندما بدؤا يعملون على احلامهم كانت سخرية واستهزاء لدى الاخرين. نرجع لنتذكر قصة سيدنا نوح -عليه السلام- وكيف كان قومه يسخرون منه ولكن إيمانه وعزمه كان اقوى من استهزاء قومه عليه. وبالاخير كان من الناجين. هكذا هي حال الدنيا كلما آمنت باحلامك وايقنت انها ستحدث التغيير فمهما سخر منك الاخرون فانت الرابح بالاخير؛ وبقدر ما يسخرون بقدر ما سيكون نجاحك.
لا اريد ان اذكر هذا المثال ولكنه حقيقة واضحة للعيان. فما نراه الآن على منصات التواصل الاجتماعي أن من يقدم السخرية يكون له الكثير من المتابعين. وهذه الظاهرة الاولى من نوعها في التاريخ البشري! ولكن مثال عازف الكمان جوشو بيل قدمته لتبيان نتيجة مهمة وهي أن الوسط الذي تعمل به هو من يحدد قيمتك. فعندما عزف في محطة الميترو لم تكن لوجوده قيمة ولا بعزفه متذوق. وهكذا هو الحال في في عالم الأفكار والمشاريع لرواد الأعمال. فكلما كنت في دائرة تثمن وتتذوق الافكار كلما كنت اقرب واسرع للنجاح وكلما كنت في دائرة العامة كلما تعرضت للسخرية والفشل بشكل كبير.
رواد الأعمال جميعا يمروا بهذه المرحلة فإما أن يسمعوا و يقتنعوا ويرضخوا لمن ينتقدهم ويتنازلوا عن أحلامهم وهكذا يكون مصير مشاريعهم وأحلامهم الفشل او ان يتمسكوا باحلامهم ويزيد ايمانهم بها. فزيادة الساخرين من مشاريعهم ويكون لهم النجاح حليفا قويا. وعلينا ان نتذكر ان ما كان بالأمس حلما أصبح اليوم حقيقة نعيشها واضحت جزء مهم في حياتنا، السيارة والطائرة والثلاجة ووو الخ. ما كان بالامس يسخر منه الناس اصبح اليوم يمتدحون ويتنافسون للحصول عليه. وهكذا دواليك؛ فما تحلم به اليوم وتؤمن به سيكون حقيقه غدا مهما كثر او قل منتقدوك. الاهم من ذلك ان تكون هناك رغبة حقيقية في الإنجاز والتطوير.
الانجاز كذلك يرتبط بالتحديات فكلما زادت التحديات قويت الفكرة ونضجت واصبحت راسخة. فالتحديات هي الفرن الذي يُخبز فيه الانجاز. وانتقاد الناس هو احد هذه التحديات. التحديات وقود المشروع والفكرة وعليك ان تقيسها بشكل منطقي.
وكم تغُرنا – في كثير من الأحيان – أجواء المظاهر وصخب الموضة؛ لتقدير ما يراه الناس جميلا فنراه نحن بالمثل ، حتى لو لم نكن نراه في قرارة أنفسنا كذلك !!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال