الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لو سألنا مجموعة من رواد الأعمال: ما أصعب مرحلة في مشروعك ؟ سيتفق الأغلب على أنها مرحلة التسويق والإعلان! إذن نحتاج إلى الوقوف عند هذه المرحلة وتحليلها بعقلانية و سنسميها “سوق عكاظ”.
قديما لم نكن بحاجة إلى الإعلان و التسويق لأن أماكن البيع والشراء كانت في أماكن معروفة وهي الأسواق ، و في أوقات معروفة كسوق الخميس أو سوق السبت أو سوق الثلاثاء.. إلخ ولكن مع اتساع البلاد ، و تكوٓن مجتمعات كثيرة أصبحت الأسواق منتشرة ومتعددة، منها المختص بسلعة معينة كسوق الذهب و الأقمشة.. إلخ ومنها الأسواق العامة التي تحوي مختلف البضائع. وهنا أصبح التاجر أمام خيارين: إما افتتاح فروع له في المجتمعات المختلفة ؛ ليسهل عليه الوصول إلى المستهلك في ذلك المجتمع ، أو البحث عن وسيلة أرخص وأوفر تسهل عليه الوصول إلى الشريحة المستهدفة، و من هنا أتت أهمية التسويق و الإعلان.
إذن الإعلان هو الوسيلة الارخص و الأوفر من افتتاح عدة فروع في مختلف المجتمعات ، ولكن كيف يتم الإعلان ؟ بطبيعة الحال يكون الإعلان في الوسائل الرائجة بين العامة، فعندما كان الشعر وسيلة رائجة كان الإعلان عن طريقه مفيدًا. ولعلي هنا أذكر قصة الشاعر الأموي ربيعة بن عامر التميمي المعروف بـالدارمي – نسبةً إلى أحد أجداده – حين قال قصيدته التي تغنى بها العديد إلى يومنا هذا. وكان محبًا للنساء وللتغزل بهن ، مشهورا بطرافته وسرعة بديهته. وعندما تقدم به العمر اعتزل الشعر وتفرغ للعبادة والصلاة والزهد وصار يتنقل بين مكة والمدينة، وفي إحدى زياراته للمدينة، التقى بتاجرٍ من العراق جاء إليها ليبيع الخُمُرِ العراقية “أغطية الرأس النسائية” فباع كل الألوان إلا الخُمر السود ، وصعب عليه الأمر فاشتكى إلى الدارِمي كساد بضاعته هذه. فَقرر الدارمي مساعدته فأنشد أبياتٍ من الشعر:
قل للمليحة في الخمار الأسود
مـاذا فعلت بناسك متعبد
قـد كـان شـمّـر للـصـلاة ثيابه
حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عـلـيـه صـلاتـه وصيامه
لا تقتـلـيـه بحـق دين محمد
بعد هذه الأبيات شاع بين النساء أن الدارمي عاد إلى الشعر والغزل وعشق فتاةً ترتدي خمارًا أسودًا! فتهافتت النساء على شراء الخُمر السود وباع التاجر كل ما تبقى لديه منها وبضعف ثمنها! هذه القصة ملهمة في فن التسويق والإعلان.
بعد تطور وسائل الإعلام من صحافة و إذاعة و تلفزيون.. إلخ، توجه اهتمام التجار إلى التسويق والإعلان في هذه الوسائل لأنها رائجة. ونجد أن الإعلان في أوقات معينة أغلى من غيرها، أو في برامج معينة أغلى من غيرها؛ لأن هذه الأوقات أو البرامج لها نسبة مشاهدة أعلى من غيرها. وأصبحت صناعة المحتوى الإعلاني، والإعلان والتسويق صناعةً رائجة وتحقق أرباحا.
بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها تطور معها أسلوب الإعلان و التسويق لأن الجمهور انصرف نحو أفق جديد وخاصة مع بروز مشاهير السوشيال ميديا و تأثيرهم على متابعيهم الذين قد يصل عددهم إلى مئات الألوف وربما الملايين ، وأصبح هؤلاء يتقاضون أجورًا على الإعلانات في حساباتهم. وتبعًا لهذه الموجة اختلف شكل ومضمون الإعلان ؛ ليتماشى مع متطلبات السوق و رغبة المتلقي لجذب انتباهه.
وفي المستقبل، ستظهر وسائل جديدة وستظهر تبعًا لها آليات جديدة للإعلان. والمبدأ والهدف واحد لم يتغير! وهو إحداث التأثير. وكلما كانت رسالتك الإعلانية مؤثرة كلما حققت نجاحا أكبر. والسؤال الآن ، هل أحتاج إلى الكم للوصول إلى أكبر عدد من متلقي الرسالة ؟ أم إلى الكيف، وهو الأثر من الرسالة ؟ سوق عكاظ لا يموت ؛ لأنه مثال حي للإعلان و التسويق.
الآن ، ماذا لاحظت في كل هذا العصف الذهني عن الإعلان؟ سأقول لك: يتبع الإعلان أسلوب القُمع funnel ! و ما هو أسلوب القُمع ؟ نعلم جيدًا كيف يعمل القُمع ؟ فهو يبدأ بقاعدة واسعة وينتهي بفتحة صغيرة أضيق من القاعدة، وعندما نسكب الماء فيه يتجمع ليصب من فتحته الضيقة وبشكلٍ مركز و قوي! هكذا يعمل الإعلان ، فهو يسعى إلى الوصول إلى أكبر قدر من المتلقين (طبيعي سيكون هناك مبالغ ضخمة تصرف على هذه الإعلانات) ومن ثم يترشح من خلال القُمع مجموعة صغيرة من المهتمين و هم عملاء أقوياء أي أنهم يريدون منتجك.
هذا الأسلوب جميل، وتقليدي، وقد نجح على مر الأزمنة والأوقات. ولكن هل هو الأسلوب الأوحد ؟ هل يوجد أسلوب آخر ؟ ماذا لو عكسنا طريقة العمل في القُمع ؟ هل سنحصل على رسائل جديدة ؟ وعلى عملاء جدد ؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال