الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يصف لاري بيرد بأن “الفائز هو الذي يتعرف على مواهبه التي منحها الله له، ويعمل جاهدا لتطويرها إلى مهارات و يستخدم تلك المهارات لتحقيق أهدافه.”
رحلة النجاح رحلة ممتعة وان طالت، وأكثر ما يُمتع فيها مجريات الرحلة نفسها وليس مقصدها النهائي. إنَّ من المهم أن ندرك تمامًا بأن النجاح لا يكمن فقط في جمع المال! وللأسف يرى الكثير أن تحقيق المال هو معيار النجاح! وهذا خطأ كبير بلا شك ، وأكرر خطأ كبير.
إذا كانت أقصى غاياتك هي المال فثق بأنك لن تستمتع برحلة النجاح ، وستكون مهموما و متعبا. والسبب وراء ذلك أنك لن تقتنع بما تحصل عليه بل ستسعى للمزيد؛ لأنك تعتقد – بل وتؤمن – أن هناك من هو أكثر منك مالا و أعزُّ نفرا! وستسعى حينها للتفوق عليه! لتجد أنك تركض في مضمار الحياة، ثم تركض و تركض! لتكتشف في نهاية المطاف أن الحياة مضت سريعًا ولم تستمتع بها!
إنَّ المال وسيلة للنجاح وليس هو الغاية في ذاته ، وعليك أن تعي ذلك جيدًا. و أعلم أيضًا أنه ما إن يصبح إحدى غاياتك ؛ حتى تستسهل مبررات الحصول عليه والوسائل الموصلة له ، حتى وإن كانت بطرقٍ ملتوية غير أخلاقية وغير قانونية.
إذن كيف نُحدد غايات النجاح لدينا؟ قد يكون النجاح بتحقيق الذات من خلال العلم والمعرفة واكتساب المهارات. وقد يكون أيضًا من خلال علاقاتك العامة و بناء شبكات معارف قوية. وقد يكون أيضًا باكتسابك للحضور المبهر و البروز الملفت. قد يكون أيضًا بتوسيع تجارتك و تخطيك حدودك الحالية. و للنجاح معايير كثيرة ومتنوعة ولكن احذر أن يكون المال وحده هو هدفك ومقصدك!
رحلة النجاح عبارة عن أحجار بناء. وكلما قوّيت بناءك كلما زادت تحدياتك ، وزادت معها لذة النجاح وكانت الرحلة أكثر متعة. وتكمن أحجارك للبناء في اكتسابك للمهارات؛ لذا فإن صلابة أحجارك من قوة إتقانك لمهاراتك.
قد يرى البعض أن اكتساب المهارات شيء صعب و ليس ضروريًا. وكما يقال: بالمثال يتضح المقال ؛ فلنأخذ مثالا: لنفترض أن شخصًا ما أراد افتتاح مقهى ، ولا يفقه في القهوة إلا احتساءها. إلا أن هذا لم يوقفه عن عمل المقهى ، فاتفق مع من يحضرها ويقدمها وبنى فريق العمل، ونجح مقهاه وأصبح له رواده ومحبيه. السؤال ماذا يمتلك من هذا المقهى غير اسمه وتجهيزاته؟! ماذا لو تركته العمالة ؟! ماذا لو أن سر الخلطة باعه أحد عماله الذين يحضرونها لأحد منافسيه ؟! كيف يعرف ما يدور وهو غير ملم بالمقادير أوالطريقة ؟! كيف سيتوسع وكيف يفتتح فروعًا أخرى؟! سنجد أنه سيصرف الكثير من المال مقابل الحصول على المال! إضافة إلى القلق الدائم والانزعاج المتكرر.
إنَّ تعلُم المهارات لا يحتاج إلى وقت طويل ولكن كن على يقين انك ستحتاج إلى الوقت الطويل لإتقانها. و كلما زادت مهاراتك في عملٍ ما أو في مشروعك كلما زادت فرصك في النجاح، وأصبح لديك القدرة على المنافسة والتعرف على بواطن الأمور، لذلك اجعل هدفك هو اكتساب المهارات وتنويعها.
وبعد هذا كله يعترض طريقنا سؤالٌ في محله وهو: كيف اكتسب المهارات ؟ هناك كاتب اسمه جوش كوفمان ألَّف كتابًا موضوعه (اكتسب مهارة خلال ٢٠ ساعة ! ) نعم ، خلال ٢٠ ساعة يمكنك أن تكتسب مهارة !! وله عدة فيديوهات على اليوتيوب تشرح ذلك لمن رغب. المهم في طريقة كوفمان لاكتساب المهارات أن لا تحاول تعلم مهارة أخرى قبل تعلمك المهارة الحالية التي تعكف على تعلمها، أي لا تحاول تعلم أكثر من مهارة في نفس الوقت. لنرجع الى صديقنا صاحب المقهى وماذا يجب عليه ان يعمل؟ عليه ان يتعلم المهارات الاساسية لادارة المقهى وحساب التكلفة والتشغيل وادارة المخزون وادارة فريقه. ثم يجب عليه تعلم صناعة القهوة ومراحل تحضيرها ومن ثم كيفية إعطاء الخلطات والوصفات المختلفة وليس ان يتقنها بشكل كامل فمع الوقت سيتقنها. السؤال من اين يتعلم كل ذلك؟ في عصر المعلومات تتوفر المعلومة وبشكل كبير وآني عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيمكن متابعة الفيديوهات التي تستعرض صناعة القهوة واعدادها من اليوتيوب. ويمكن التواصل مع معدي وصفات القهوة عبر الفيسبوك أو تويتر أوالتيك توك.
في أثناء رحلتك لاكتساب المهارات وتعلمها وإتقانها، ستكتشف في إحداها أنك لست بحاجةٍ لها! وقد تكون قد قطعت فيها شوطًا طويلًا. فإياك أن يصيبك هذا بالإحباط؛ بل عليك أن تنظر لها على أنها جزء من رصيدك المعرفي، وقد تحتاج لها مستقبلًا، وسيزيدك هذا ثقةً بنفسك لتعدد المهارات لديك وتنوعها.
إنَّ رحلة النجاح – من منظور آخر- هي رحلة الخروج من منطقة الراحة ، تلك المنطقة التي تعيش فيها دون نمو أو تطور و تشعر فيها برتابة الحياة وأن كل شيء متوفر لك ولا تحتاج إلى تغيير أو تبديل.
يمر الإنسان في الحياة بمراحل عدة، وهذه المراحل يمكن تلخيصها في الشكل التالي:
منطقة الارتياح: تشعر فيها بالأمان والسيطرة لكنها تفتقد إلى النمو و الإبداع. وتبدأ رحلة النجاح عندما تخرج من هذه المنطقة بسبب مهددات أو ظروف لتصبح في منطقة الخوف و التي تشعرك بأن الأمور ليست على ما يرام. فسيدنا نوح -عليه السلام- كان في هذه المنطقة الى ان جاءه الامر الالهي بدعوة قومه زمن ثم بناء السفينة. وكان تكليفه ببناء هذه السفينة بمثابة التكليف العظيم خاصة وانه يعمل على هذا المشروع الجبار بموارد قليلة.
منطقة الخوف: في هذه المنطقة ستبدأ رحلة أخرى للبحث عن منطقة ارتياحٍ جديدة ، و لن تعود للخلف أبدا ، بل ستواصل تقدمك يحدوك الأمل ، ومعيار نجاحك في تجاوز هذه المنطقة – أي منطقة الخوف – هو: مدى تحكمك بذاتك ومشاعرك ، ومدى إيمانك بالله وقوة تفاؤلك بأن النجاح حليفك مهما طال الزمن أو قصر. ايمان سيدنا نوح العميق هو ما ثبته على يقوم به رغم كل الظروف التي لم تكن حليفته. استشعرنا طمأنة رب العالمين له في قوله تعالى ً”واصنع الفلك باعيننا ووحينا”. الثبات في منطقة الخوف مهم جدا وقد يكون ذلك اهم من المشروع نفسه.
منطقة التعلم: في حال تجاوزت منطقة الخوف – وأنت قادر على ذلك بلا شك – فإنك ستشعر حينها بالأمان ، و الثقة في ذاتك وقدراتك. إنَّ تعاملك مع تحديات ومشاكل المرحلة سيجعلك تسعى لتعلم مهارات جديدة تعينك على المضي قدمًا لتحقيق ما تريد. وهذا بلا شك سيشعرك بثقة عالية في نفسك و قدراتك و مهاراتك. وهكذا سيدنا نوح -عليه السلام- تعلم مهارة بناء السفن وامسى يبني اضخم سفينة في عصره.
منطقة النمو: إنَّ ما طرأ عليك من متغيرات بعد امتصاصك للصدمة هو ما سينقلك إلى منطقة النمو والنجاح بإذن الله. ولعل أهم متطلبات هذه المحلة: تحديد الأهداف و التغلب على العقبات الطارئة، واستخدام الوسائل المناسبة لك لتحقيق هذا كله (تحقيق الأهداف + تجاوز العقبات). الطمأنينة مهمة جدًا في هذه المرحلة ، فثق بأنك لن تجلب لنفسك نفعًا ولن تصرف عنها ضرًا إلا بإذن الله فعش أحلامك، وكون عالمك الجديد واستمتع بخيالك و إبداعك، وادخل إلى منطقة الراحة الجديدة. حين استكمل سيدنا نوح السفينة ظن انها النهاية (منطقة الارتياح الجديدة). ولكن امره الله بجلب زوجين من كل المخلوقات. وهنا بدأت مرحلة الخوف بحصول الطوفان العظيم حتى استوت السفينة على الجودي وبدأت مرحلة التعلم والتعايش مع الوضع الجديد ودبت الحياة من جديد ونمت (مرحلة النمو).
وهكذا تعود دورة رحلة نجاحك في مغامرات جديدة ومثيرة. المهم أن تتعلم وتكتسب المهارات وتتطور وتنمو وهذا هو المقصد من عمارة الأرض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال