الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الكل منا يحتاج إلى الإرشاد بمختلف أنواعه وفي مختلف فترات حياتنا. فقد نحتاج إلى النصيحة في فترة ما ، وقد نحتاج إلى مسك اليد والانقياد في أوقات أخرى.
في صغرك كان أهلك ومجتمعك يقررون لك ماذا تريد من أنواع الإرشاد ، سواءً والداك أو أحد أقاربك ، أو المدرسة أو النادي.. إلخ من الأماكن التي نتعلم منها مهارات حياتية مختلفة.
ولكن بعد مرحلة النضج فأنت من يحدد ماذا تريد من المهارات ؟ وماذا تتعلم أو تكتسب ؟ فقد تكون ما تريده هو فقط محاضرة أو لقاء أو كتاب.
لقد اختلفت الوسائل ، ولكن الهدف واحد: اكتساب معارف ومهارات جديدة عن طريق الإرشاد و الاستشارة.
عندما تمشي على رجليك فإنك ترى التفاصيل المحيطة بك بكل دقة ووضوح. ولكنك تكون محدودًا في النطاق الذي يمكن أن تقطعه لأن قدرة قدميك وإمكاناتهما محدودة ، وستأخذك في هذا النطاق المحدود أو الضيق. ولكن عندما تستخدم الدراجة الهوائية فإنها ستنقلك إلى مناطق ونطاقات أبعد لأنها أسرع من قدميك، أليس كذلك؟ وهي بالفعل ستعطيك فرصة للاطلاع على أماكن أخرى ولكنها لن تكون بتلك الدقة والتفاصيل التي كنت تحصل عليها أثناء مشيك. الجميل في الموضوع أنها ستنقلك للاطلاع على أماكن أخرى تتعلم منها أشياء جديدة ، لتكتسب علوما ومعارف جديدة أيضًا ، وفكرٍ مختلف عما كنت عليه. الدراجة وسيلة قدمت لك فرصًا جديدة وإمكانات جديدة ولكن ماذا كان عليك أن تتخذ من احترازات ؟ أولا احتجت إلى أن تتعلم ركوب الدراجة وقيادتها وتوجيهها ، و احتجت كذلك إلى تعلم الأنظمة المتعلقة بها ، وهذه مهارات اكتسبتها لتعطيك فرصة للانطلاق نحو آفاق أبعد مما كانت تقدمه لك قدماك. السؤال الذي تحتاج إلى تأمله هو: كيف علمت عن الدراجة ؟ ومن علمك على ركوبها وقيادتها ؟
وهكذا، كلما تطورت حياتنا كلما أصبحنا نستخدم وسائل جديدة. فالسيارة حتما ستقدم لنا منظورًا جديدًا وآفاقًا جديدة ، والطيارة بطبيعة الحال ستفتح مجالاتٍ أوسع و أرحب. ولكن لننتبه إلى أنه كلما تعقدت وسائلنا كلما تعقدت معها الأنظمة والإجراءات. المشي أكثر أمانا ويمنحك فرصة للتأمل والتعرف على التفاصيل بشكلٍ أوضح ، بينما تأخذك السيارة إلى عوالم جديدة لا تستطيع قراءة تفاصيلها لأن كل اهتمامك وتركيزك منصب على أمور تتعلق بقيادة السيارة.
الإرشاد لا يختلف عن قيادة الدراجة أو السيارة لأنه سيأخذك إلى عالمٍ جديد ، ولكن تحتاج إلى التوقف والتأمل لمعرفة التفاصيل واستيعابها. رحلة المشي رحلةٌ ذاتية ولكنها لن تعطيك ثقافات مختلفة عما هو متوفر في محيطك.
والإرشاد يحتاجه الكبير سنا ومقاما أكثر من الصغير. ومن قصص الإرشاد مع الكبار والحكماء يحكى أن جلال الدين الرومي حين اجتمع بـشمس الدين التبريزي كان بيده كتاباً فأخذه التبريزي منه وأمسكه بالمقلوب وأخذ يتطلع فيه ثم رماه في النهر ، فجن جنون الرومي وقال له: لماذا ألقيته في النهر ، إنه علم! ولا توجد نسخة أخرى من الكتاب !! إلا أن التبريزي لم يكترث لحديث الرومي وقال له: أتريد الكتاب ؟ فقال الرومي: نعم ، فمد التبريزي يده في الماء وأخرج الكتاب سليما، فتعجب الرومي من ذلك !! فقال له التبريزي: اطلب علما لا يمحوه الماء.. علما يثبت في القلب ، فذهل الرومي وقال له: اتبعك على أن تعلمني ، فقال له التبريزي: إنك لن تستطيع معي صبرا ، فقال الرومي: بل سأصبر . فقال التبريزي: أريدك أن تأخذ جرةً من الخمر وتطوف في المدينة لتبيعه ، فقال الرومي: كيف أفعل هذا وهو محرم ؟! فقال له التبريزي: كما تشاء ..
فقال الرومي: اطلب مني شيئا آخر . فقال له: لا أريد غير هذا ..
ثم ذهب الرومي ومكث الليل كله يفكر في الأمر ثم وافق. فأخذ جرة الخمر بملابسه وعمامته وجاب الشوارع يبيع الناس الخمر ، فقال الناس: جُن الرجل !! وقال آخرون: لقد فضحه الله ، وهذه حقيقته. ثم عاد إلى التبريزي وهو منكسر ذليل.
وقال له: لم يشترِ مني أحد ، فقال له: هذا يكفي ألقِ ثيابك واغسلها ، وتطهر ، فقال له الرومي: ثم ماذا ؟! فقال له: لا شيء !! أنت الآن إنسان عادي كنبتةٍ صغيرة ، لقد كان على رأسك صخرة كبيرة من غرور عمامتك , وها قد كسرتها . لقد أردت أن أزيل عنك هذا العُجب و الأنا ؛ لترجع إلى حقيقتك بلا عنوان ولا ألقاب ، لترجع كما أنت وتنزع عن روحك كل ما يكدرها ، وأن تذهب هذه الهيبة المصطنعة لرجال الدين على أنهم مقدَّسون في أعين الناس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال