غياب الاقتصادي المتخصص عن رحلة روّاد الأعمال (2/2)

استكمالا لمقالة الخميس الماضي (الرابط هنا)، نتناول تبيان أهمية أداة تحليل “بيستل” PESTLE لروّاد الأعمال – ولغيرهم أيضا – خاصة لمن يواجهون صعوبات في تشغيل أو تطوير مشاريعهم التي قد تصل لحد الفشل والخسارة حتى قبل البدء في بعض الأحيان، وذلك نتيجة عدم درايتهم بما يدور حولهم.

بالرغم من أن أداة “بيستل” التي ابتكرها البروفيسور “فرانسيس أغيلار” في جامعة هارفارد عام 1967 تساعد روّاد الأعمال في تفهم عوامل تخطي الصعاب، إلا أنهم بحاجة لمعرفة كيفية استخدامها والذي يتطلب جمع أكبر قدر من المعلومات حول البيئة الخارجية لأعمالهم ومن ثم الاستقراء والتحليل بمنهجية علمية، حتى يتعرف صاحب المشروع على الظروف والتغيرات التي يمكن أن تحدث على مستوى السياسية والاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا والقوانين والبيئة.‎

‎فعلى سبيل المثال، الريادي يحتاج أن يُلم بالعوامل السياسية خاصة إذا كان له نشاط أو فروع أو له شراكات تجارية (تصديرية أو استيرادية) في دول أخرى، ومدى تأثير وضع وسياسات الحكومات على مشروعه، ومثال ذلك التغييرات المُحتملة الاستقرار الأمني، البيروقراطية، مستويات الفساد ومكافحته، السياسة الضريبية ومعدلاتها والحوافز، ضبط النشاط التجاري، القيود على التصدير والاستيراد، و الرسوم الجمركية، وغيرها من مسائل هامة.
‎
كما أن الريادي يحتاج أن يعرف ما يمكن أن يؤثر على الاقتصاد الذي يعمل فيه مشروعه، مثل معدلات النمو الاقتصادي، التضخم، أسعار الفائدة، معدلات البطالة وتكاليف العمالة، تدفقات التجارة وأنماطها، القوة الشرائية للمستهلكين، السياسات النقدية والمالية وتقلبات الأسعار، وتوجهات أسواق الأسهم.

‎وحزمة العوامل الاجتماعية لها دور هام، لأنها تدل الريادي على ما هي احتياجات العملاء، مثل الطبقات الاجتماعية ومتوسط مستوى الدخل، مستوى التعليم، الدين والمعتقدات وموقف المجتمع تجاه السلع والخدمات المقدمة، أنماط الحياة وعادات الشراء، معدل النمو السكاني والهجرة المباشرة والعكسية.

‎أيضا، مهم للريادي أن يُلم بالعوامل التقنية، مثل معدل الابتكار التكنولوجي الذي يمكن أن يؤثر على الصناعة أو السوق ومن ثم على مشروعه، وهذا يستدعي معرفة بأمور مثل البنية التحتية بشكل عام وخاصة الاتصالات، معدلات التغير التكنولوجي والإنفاق على البحث والتطوير، الحوافز والتشريعات المتعلقة بالتكنولوجيا، مستوى تطور التكنولوجيا في الصناعة التي يعمل فيها مشروع الريادي. ‎

أما المسائل القانونية فلا بد أن تفهم جيدا من المنظور الاقتصادي، وتأثيرها على العمليات التجارية الخاصة بمشروع الريادي وفي المجمل، مثل تأثير المعايير المحاسبية، وقوانين مكافحة الاحتكار، والملكية الفكرية وحقوق الطبع والنشر وانتهاك براءات الاختراع ، وحماية المستهلك والتجارة الإلكترونية، والتوظيف، وغيرها من قوانين.

وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر العوامل البيئية بقوة، مما يستدعي استيعاب تأثيرها الاقتصادي على المشروع، مثل الطاقة المتجددة ودعمها، وتغير المناخ والبيئة، و معدلات تلوث الهواء والماء المقبولة، وقوانين إعادة التدوير وإدارة المخلفات.

أداة تحليل “بيستل” PESTLE هامة لعماد أي مشروع ريادي والمتمثل على وجه الخصوص في إنتاج وتسويق المنتجات والخدمات، والمشروع التجاري ككل في ظل التحديات الحالية والقادمة لا بد من أن يتعاطى معها بجدية.

هذه الأداة من ضمن أدوات عديدة اقتصادية هامة، متى ما أُصِّلت على يد الاقتصادي المتخصص في البرامج التدريبية، ستساهم في رفع الوعي الاقتصادي والتجاري عند روّاد الأعمال، مما ينعكس إيجابا على نسبة نجاح مشاريعهم، أو على الأقل حمايتهم قبل أن يخوضوا غمار التجربة، وأيضا ستعزز من تعريض قاعدة بيئة ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمشاركة أفضل كقطاع هام في مجمل الناتج المحلي.