الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كل مرة تنجز فيها عملا من خلال هاتفك أو متصفحك الإلكتروني، تذكر انك وفرت على نفسك، استهلاك السيارة والبحث عن موقف لتركن فيها، وأيضا أرحت نفسك من صعود أدوار عديدة ومراجعة اكثر من شخص والانتظار طويلا في حال كان الموظف يشرب الشاي أو يلتهم سندوتشا، وربما كنت تنتظر خارج مكتب المدير تنتظر توقيعه أو موافقته، وفي مرات عديدة يطلب منك الموظف بعض الأوراق لاستكمالها، ويطلب منك مراجعته في اليوم التالي.
حينما تتخيل كيف أنجزت معاملتك بكل هذه السهولة وانت جالس في منزلك أو عملك أو حتى في مقهى تحتسي الشاي والقهوة مع رفقائك، تذكر أيضا أن هذه السهولة التي قدمت لك في إنجاز الأعمال، كانت سببا في إنهاء خدمات لا يقل عن 13 موظفا كانوا يقدمون لك الخدمة مباشرة.
في الواقع أن ثورة الرقمنة سوف تهدد 85 مليون فرصة عمل بحلول 2025 ويبدو أن الحرب بين البشر والآلات سوف تشتد السنوات المقبلة مع زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة وإنترنت الأشياء، والتكنولوجيا. وأصبح واضحا أن استحداث فرص العمل بدأت تتباطأ ويتزايد الطلب على معدل إلغاء الوظائف.
بالطبع هذه ليست سحابة سوداء تظلل سوق العمل، بل أن الوظائف التقليدية والتي لا تعتمد على المهارة ومهن بسيطة، أو تلك التي تستغرق وقتا طويلا للإنتاج، أمام الطلب المتزايد، مما يضيع فرصة الكسب السريع، وفي المقابل يتوقع أن تخلق التكنولوجيا الجديدة نحو 100 مليون وظيفة منها مجال الذكاء الاصطناعي وإنتاج المحتويات والرعاية الصحية.
وهنا يتطلب من الجامعات والمعاهد والكليات أن تعيد سياسة التعليم وتتخلص من الأقسام والتخصصات التي لن تغني ولا تسمن من جوع، وربما تساهم في زيادة نسبة البطالة، فمثلا ستنقرض وظيفة موظف حجز تذاكر السفر ومراسلو الصحف والمحللون الماليون وقارئوا العدادات والوسطاء العقاريون والطيارون والمدرسون والسائق الخاص، وحسب تقرير أعدته شركتا ” سي بي آر إي” و”جنيساس” الصينية أن 50 % من المهن الموجودة اليوم سوف تختفي تماما بحلول عام 2030 حيث سيتحول الناس إلى امتهان المهن الأكثر إبداعًا وإنتاجية. ويحتاج 50 في المائة من الموظفين الحاليين الى تكثيف مهاراتهم قبل الخمس سنوات المقبلة، والا سيجدوا أنفسهم خارج منظومة العمل.
حينما تفقد هاتفك النقال فهذا يعني أنك أضعت كنز أو مغارة علي بابا، لان من خلاله تنجز كل المعاملات والأعمال، كما أن مع وضع جائحة كورونا لا يمكنك أن تدخل أي مركز تسوق أو متجر إن لم تكن تحمل هاتف نقال، وتحتوي على تصريح دخول هذه المراكز وبياناتك الصحية، ويبدو أن القادم بطريقة شرسة نحو التهام الوظائف لا يزال يتقدم بمهارة.
في السعودية شهد النصف الأول من العام الجاري إغلاق 20 فرعا من بنك الرياض و16 فرعا لمصرف الراجحي، أما بنك ساب اغلق 8 فروع و5 فروع للبلاد، وانخفضت عدد فروع البنوك بنهاية النصف الأول من هذا العام من 2014 فرعا عام 2020 الى 1969 فرعا بانخفاض قدره 45 فرعا، وبلغ عدد فروع البنوك العاملة في السعودية 1969 فرعاً بنهاية النصف الأول من عام 2021، وذلك مقارنة ﺑ2014 فرعا بنهاية عام 2020 بانخفاض قدره 45 فرعا.
أما في بريطانيا، بدا الناس يشعرون باختفاء البنوك وأجهزة الصراف الآلي التقليدية بشكل تدريجي، وهذا يعني أن التوجه المقبل هو الاستخدام الإلكتروني، وتقليل السحب من مكائن الصراف، وتحمل تكاليف تشغيلية في الأجهزة أو فروع البنوك، واقتصارها على البطاقات الممغنطة أو من خلال تطبيقات الدفع على أجهزة الجوال، وجميع المحلات تتعامل مع الدفع الإلكتروني. وبحسب تقارير نشرتها وسائل الإعلام في بريطانيا نحو 8 آلاف جهاز صراف آلي تم إغلاقها بشكل نهائي في بريطانيا، وهو ما يعني أن أعداد هذه الأجهزة تراجع بنسبة 13% في البلاد خلال عام ونصف فقط.
تمكنت السعودية ضمن خطتها في مجال الرقمنة، أن تتصدر دول العالم في مجالات عدة، فهي تحتل المركز السابع عالميا في مجال تمويل التطوير التقني، والثامنة بين دول مجموعة العشرين لتسجيل التقدم في الشرق الأوسط، واحتلت المركز التاسع في تطبيق وتطوير التقنية، وجاءت في المركز العاشر في متوسط سرعة الأنترنت المتنقل، وحصدت المركز الـ 14 عالميا في التحول الرقمي للشركات وفي المرتبة الـ 28 في البنية التحتية التقنية، أما في المتوسط العالمي لسرعة الأنترنت جاءت في المرتبة 13 عالميا، وتقدم المؤسسات الحكومية نحو الفي خدمة إلكترونية، تقدم إدارة وريادة الأعمال بنسبة 25 في المائة من الخدمات الإلكترونية، يليها التعليم والتدريب 16 في المائة والعمل والتوظيف اكثر من 10 في المائة، وتتصدر خمس وزارات في السعودية على الجهات الحكومية حسب تقديم الخدمة، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية نحو 600 خدمة، الصحة 180 خدمة، أما البلدية والقروية تقدم نحو 170 خدمة، العدل 120 خدمة، ووزارة الداخلية 116 خدمة.
لعل ما يشير الى أن السعودية تسير بوتيرة أسرع نحو الرقمنة، هو رغبة القيادة السعودية وخاصة توجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي دائما ما يشير الى أهمية التحول الرقمي وتسهيل الإجراءات واختصار الوقت في إنجاز المعاملات، ويلاحظ أن نسبة الذين يصلون الى الأنترنت من إجمالي عدد المستخدمين، يلاحظ أن 99,75 في المائة يصلون عن طريق الهاتف النقال ونحو 27 في المائة يصلون عبر الحاسب المحمول، و7 في المائة من خلال الحاسب المكتبي.
سوق العمل العالمي يتجه الى تغيير ملامح وجهه، وقد يكون أكثر قسوة في المستقبل، مالم تضع سلطات العمل والتعليم خططا وبرامج تواكب هذا التطور التقني والتكنولوجي، لا نريد جيل ينافس الحصول على الشهادات الجامعية والدكتوراة الفخرية، بقدر ما يهمنا أن يكتسب مهارة مهنية وحرفية وتخصصات سوف يكون الطلب عليها مستقبلا، على يقين أن الدول الخليجية والعربية سوف تضع في برامجها التوظيفية التقدم نحو الأمام بكل ثبات مقارنة مع أقرانهم في دول متقدمة في أوروبا وأمريكا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال