الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المؤتمر الصحفي لسمو ولي العهد -حفظه الله-، عَقِب إطلاقِ رؤيةِ المملكة 2030، أجاب عن دور مؤسسات المجتمع المدني في الرؤية، بما يلي: “نحن نُرَكِّزُ بشكلٍ كبيرٍ على تطوير القطاع غير الرِّبحي على الثَّروات العائلية الخاصَّة، وأنا أجزمُ بأنَّ أغلبَ العوائل الثرية في السعودية لديها الرَّغبة القويَّة في العمل غير الربحي؛ لكِنَّها لا تجدُ البيئة والتنظيمات المناسبة التي تحمي أموالهم إِذا حولها إلى مؤسَّساتٍ غير ربحية تضمنُ لهم العمل داخل وخارج السعودية بالشَّكل الجيِّد، وننظُر إلى القطاع غير الربحي بأنَّه قِطاعٌ مهمٌّ في دعم مسيرةِ التعليمِ ومسيرةِ الثَّقافة وفي قطاع الصحة وفي القطاع البحثيِّ، وسنعتمدُ عليه بشكلٍ رئيس، ونرى التَّوسُّع في مؤسسات المجتمع المدني -بِلَا شكٍ- مُهماً جداً”. إجابة أكَّدت على الأدوار المِحوريَّة للقطاع غير الربحي في تحقيقِ مُستَهْدَفَاتِ الرؤية من جانب، وشَخَّصَت -وبوضوحٍ تام-، الوضع الراهن لواقع البيئة والتنظيمات المُؤثَّرة في القطاع غير الربحي، وحاجتها المُلِحَّة للتطوير.
خمسون عاماً مضت على لائحة تنظيم الأوقاف الخَيريَّة، الصادرة عام 1393هــ، وعَبْرَ هذه العقود حَظِيَت الأوقاف بالابتكار والتطوير، في فقهها، وأنظمتها، وأدواتها ومنتجاتها، وأساليب عملها، ونطاقات تأثيرها، حتى غَدَتْ مرتكزاً رئيساً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا على نِطَاق الدول العربية والإسلامية فحسب، بل بات المفهوم الإجرائي للوقف؛ ممارسةً عالميةً تتسابق المجتمعات وتتنافس الدول على تفعيله وتمكينه. واليوم، تنعقدُ الآمالُ والتَّطَلُّعَات أن تُوفَّق الهيئة العامة للأوقاف في تهيئة البيئة المناسبة والمُحَفِّزة لمستقبلٍ أكثر إشراقاً للأوقاف، عبر استحداث باقةٍ من الأنظمةِ واللوائحِ والتعليمات، مُستفيدةً في إعدادها من الدروس والعبر التي يقدمها استقراءُ الإرث التاريخي العريق للوقف الإسلامي والممتدِّ لأكثرَ من ألفٍ وأربعمائة عام أولاً، وما شهد فيها الوقف من فتراتِ مدٍ وجزرٍ، ومجموع ما كان له تأثير في ازدهار ونمو الأوقاف أو تراجعها في فترات، ومستصحبةً -في ذاتِ الوقت- التجارب والممارسات الإِقْلِيمِيَّة والعَالَمِيَّة المعاصرة، وصولاً لاستحداث باقة من الأنظمة واللوائح والتعليمات، تُمثلُ أُنموذجاً محفزاً للاقتداء بها نحو إِحياءِ سُنَّة الوقف وتعزيز أدوارها التنموية في المجتمعات من جديد.
وسيتأتى ذلك عندما يُوَفَّق نظام الأوقاف وما سيتبعه من لوائح وتعليمات إلى التعامل الأمثل مع الوقف الإسلامي، بدءً من: موقعه في الفقه، وارتباطه عند التقاضي بالمحاكم الشرعية، وحَوْكَمَة علاقته بمختلف الجهات الحكومية وأصحاب المصلحة، مروراً بِمَنْحِ الوقف الشخصية الاعتبارية؛ لتكتسب الأوقاف بموجب وثائقها: الأهلية القانونية للتعاقد واكتساب الحقوق ولتتمتع الأوقاف بالذمة المالية المستقلة، إضافةً إلى مُواكبة التنظيم المرتقب لمستجدات الأوقاف، في الأدوات والمنتجات وأساليب العمل، ووصولاً إلى تصميم نموذجٍ لنظامٍ يسهمُ في حماية الأوقاف من أَن يتَغَوَّلَ أَو يَسْتَأْثِرَ تَوجِيهُهَا طَرَفٍ مِنَ الأَطْرَاف، وهو ما يتطلب موازنةً عزيزةً في السلطات والمساحات المتاحة والمناسبة لِكُلٍ مِن: (المستفيدون من مصارف الوقف، القائمون على الوقف، الجهات الحكومية ذات العلاقة، المجتمع على نحوٍ عام)، ومع حاجة الوقف إلى تعاضدِ مجموع الأطراف السابقة لضمان حمايته، والإسهامِ في ازدهاره وَنُمُوِّه، وتَحْقِيق أَهْدَاف مُؤَسِّسِيه، إلا أنَّه في الوقت ذاته بحاجةٍ ملحة إلى تحديدِ نطاق المساحات المناسبة لكل منهم، وبما يُسهمُ في حفز المجتمع للإقبال على الأوقاف، ويُتيحُ للقائمين عليها آفاقاً رحبةً من حركة العمل بيسرٍ وسهولةٍ، وبحضورِ القَدْر المناسب من الرقابة والضبط والإشراف الحكومي.
إنَّ الهيئة العامة للأوقاف أمامَ مسؤوليةٍ عظيمةٍ، وفرصةٍ تاريخيةٍ، بُعُكُوفِهَا على إِعداد نظام الأوقاف ولوائحهِ وتعليماته، وهو ما سيكون له دورٌ جوهريٌ في رسم مستقبلِ الأوقاف والقطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، وكُلُّ الرَّجَاء والدَّعَوَات أَن تُكَلَّل جُهُودُها النَّوعِيَّة والخَيِّرَة، بِالتَّوفِيق والنَّجَاح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال