الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشتكي كثير من روّاد الأعمال من قسوة التشريعات عليهم، ويُحمِّلونها مسؤولية الصعوبات التي يواجهونها أثناء تأسيس وتشغيل منشآتهم التي تصل لحد الفشل والخروج من السوق، بينما الجهات التشريعية تؤكد على أنها تعمل على دعم روّاد الأعمال ضمن حوكمة البيئة الاقتصادية الكلية.
في الوهلة الأولى، يظهر الإدعاء بأنه صحيح، بسبب أنه يصعب على المُشرِّع الاقتصادي تحليل ريادة الأعمال باستخدام أدواته التقليدية، فحسابات التوازن العام لا تنطبق على هذا النوع من النشاط القائم على الابتكار ويعمل في ظل ظروف عدم اليقين، مما يعني أن الاقتصاد التقليدي في تشريعاته القياسية يكون بمثابة تغالب قاسي على روّاد الأعمال، بينما ريادة الأعمال تحتاج إلى معالجة اقتصادية غير تقليدية لأنها ببساطة تتحداها في مبادئها الأساسية.
لابد من التنبه إلى حقيقتان، الأولى هي أن ريادي الأعمال ربما يعتبر الشخصية الأكثر جدلية منذ أن عُرِّف في أدبيات الاقتصاد (الاقتصاد وليس علم آخر) على يد العديد من مشاهير هذا العلم، مثل الاقتصادي “كيرزنر” الذي وصفه بمن يقتنص الفرصة أثناء عدم توازن السوق، بينما عرفه الاقتصادي “ليبنشتاين” بالشخص القادر على استغلال الابتكارات الجديدة في تلبية طلبات السوق غير المحققة.
أما الحقيقة الثانية فهي أن المنتج أو الخدمة المبتكرة – في المرحلة التالية في رحلة ريادي الأعمال – تحتاج لتتحول لإنتاج كمي، لكن هذه الخطوة تظل غير كافية للنمو الاقتصادي العام، وهي مسألة هامة للمُشرِّع الاقتصادي المسؤول عن أمور ومواضيع مفصلية وأكبر حجما في الاقتصاد الوطني مثل إدارة الموارد والانتاج والمنشآت والسوق، ومشاريع روّاد الأعمال – كمنشآت في السوق – من ضمن هذه المنظومة الاقتصادية.
هنا يكمن التيه، فأي الطرفان على حق في ادعاءه، وكيف يمكن التوفيق بينهما؟
العالم الاقتصادي الأشهر “شومبيتر” المح لمسألة هامة لم يتنبه لها الكثير من روّاد الأعمال والداعمين لهم – خاصة في التدريب والاحتضان والتسريع والتمويل – وهي أن هذا الريادي المبتكر يفقد وصفه بالريادي بمجرد أن يؤسس منشأته التجارية، وكأن “شومبيتر” يبرىء التشريعات الاقتصادية إلى حد كبير من اتهام روّاد الأعمال بأنها السبب في فشلهم أو هزالة نتاجهم.
من المهم جدا أن يدرك ريادي الأعمال أن التغيير الاضطرابي الذي يقوم عليه توجهه وفكره – وهو شيء رائع – لا يمكن أن يستمر كمبدأ في تأسيس وتسيير أعمال منشأته، لأن المنظومة الاقتصادية لا تقبل هذا المبدأ بسبب إحتمالية أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي العام، خاصة أن المخاطر أصبحت اليوم أعلى من أي وقت مضى، ولا بد لريادي الأعمال أن يتواءم مع مزاج الاقتصاد العام والقائم دائما على مبدأ “بناء قصة نجاح مجدية اقتصاديا ثم التحرك نحو الخطوة التالية”.
أما الجهات الداعمة لروّاد الأعمال في تأسيس منشآتهم، خاصة التدريبية والتوجيهية والاحتضان، عليهم التفكير خارج “الزنبيل” فيما يقدمونه من مواد وخدمات، فما يقدم اليوم يعتبر سطحي في ظل الظروف الراهنة ومتطلبات المستقبل، خاصة أن أسس هذه المواد قد وضعت قبل عقد من الزمن ولم يدخل عليه تطور نوعي معتمِد على استقراء عميق لإشارات التغيير المتسارعة في عالم المال والأعمال، فالتركيز على خطط العمل – على سبيل المثال – قبل معالجة جانب الجدوى الاقتصادية وتحليلاتها في ظل التحديات العالمية، أو محاضرات “أطلق المارد الذي بداخلك” الكارثية، أوخدمات ما يسمى بالعيادات وكأن الآتي لها شخص مصاب بالجرب ويبحث عن علاج، لا تفيد الريادي عندما يكون في طريقه لتأسيس منشأته اليوم، لأنه في هذه اللحظة الحرجة هو يحتاج لمن يؤهله نفسيا وفكريا ومهنيا ليتحول إلى رجل أعمال محترف، يعي تماما كيف يتعامل ببراجماتية مع تحديات السوق، ويفهم جيدا معنى كلمة “اقتصاد”، ويتجاوب مع متطلبات المساهمة في الاقتصاد الوطني.
أما أهل التشريع الاقتصادي، وبالرغم من براءتهم من ادعاءات روّاد الأعمال (إلى حد كبير)، لا بد أن يتنبهوا لمسألة أن سياق الأحداث العالمي مليء بالاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية والمالية، وبحراكات غير واضحة المعالم وفي ظل حالة عدم يقين، وقد يكون روّاد الأعمال هم من يحدثون الفرق في بناء اقتصاد متنوع وقوي ومنافس مستقبلا، وهذا يحتاج منهم أن يكونوا أكثر تفهما لسِمات روّاد الأعمال وألين تعاونا معهم عند تأسيسهم لمنشآتهم وتشغيلها لعدة سنوات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال