الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى .. ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى .. وحنيـنه أبدا لأول منزل
الحبيب ينادي محبه باسمه المجرد، ويفز لهذا النداء المفضل إلى قلبه، فالقلوب شواهد بعضها على بعض، فمحتواها أصدق من ملفوظ اللسان وإن تنمق وتزخرف في قوله، وهكذا الحنين سيرحل بنا على أجنحة السفر إلى الوراء عبر الزمن لنرى ماذا كنا؟ وكيف كنا؟ وما نحن عليه الآن من تطور ورفاه.
لا يُنكر الجميع أن السفر له عناء مهما تعددت منافعه أو توفرت وسائله المريحة، سيظل محافظا على وصفه أنه قطعة من عذاب، لذا بعد نعمة توحيد هذه الدولة المباركة الأمية بمساحة قارة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، سنختزل قصة محو أميتها ابتداء من خطة التنمية الأولى، إذ نشأت معظم الوزارات وتحول مقر الحكومة من جدة الى العاصمة الصحراوية الرياض وأميرها الشاب سلمان بن عبدالعزيز الذي جعلها محور شعاع النور يضيء أرجائها وأطرافها المترامية، وبدأها دون أدنى مقومات بنية تحتية تذكر، فلا تسأل عن حجم التحدي الاقتصادي والاجتماعي والمخاطر التي تهدد مقومات الحياة في الدولة التي لا تزال فتية، ولكن بسبب ذلك التحول وحزم القرار السياسي وصمود الفتوة ورجالات التنفيذ، الذين أداروا وخططوا ونظموا وتابعوا، بنية صادقة في الطموح فكان نظامه المرسوم ومنهجه السليم سبب في قفزات التنمية المتسارعة على جميع الأصعدة منذ إطلاقها عام (1390هـ-1970م) بتنفيذ الهيئة المركزية للتخطيط قبل أن يصدر الأمر السامي رقم (أ-236) وتاريخ 8/10/1395هـ الموافق (13/10/1975م) بإنشاء وزارة التخطيط، وقد انضوت هذه الخطة على ثلاث أهداف استراتيجية فقط: زيادة معدل نمو الإنتاج المحلي الإجمالي الهدف الأول، تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية الهدف الثاني، تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الإنتاج المحلي الإجمالي الهدف الثالث، ونخص صعيد التعليم بالاشارة الذي يُعد محور التنمية ونقطة ارتكازها، والإنسان فيها غاية مقصودها وذلك برفع وعيه من خلال تعليمه ليسعد ويصبح عضوا مساهما في سعادة وطنه، لهذا تستهدف التنمية هذا الحقل بالتوسع المستمر في توفير فرص التعليم على كافة المستويات ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية بحيث تتمكن كل مرحلة من قبول كافة الراغبين في مواصلة الدراسة من خريجي المرحلة التي تسبقها، بالرغم من محدودية مؤسسات التعليم التي تحتضن مستهدفات تلك الخطة وهي جامعة الرياض، وكلية البترول والمعادن، وكلية التربية في مكة، وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة. كما تضمنت الخطة تقديم المساعدة إلى جميع هذه المؤسسات بواسطة إضافة مرافق وأجهزة جديدة وعن طريق التعاون مع الجهات الأجنبية المختصة وعن طريق المنح.
ثم تتابعت خطط التنمية بمنهجية التخطيط في المملكة، باعتباره الدور الرئيسي في تحقيق التنمية الوطنية وذلك من خلال العمل على إيجاد الإطار التنظيمي والنظري لعملية التنمية، فمهام التخطيط الرئيسية هي تحديد أهداف كل بعد من أبعاد التنمية الثلاثة أي : البعد الاقتصادي والاجتماعي والتنظيمي، ورسم الطرق الأكثر فاعلية لتحقيقها، ويتوقف النجاح على شمول الأهداف وتناسقها من ناحية، وعلى الأولويات المحددة لكل خطة من الخطط المتتابعة من ناحية أخرى، كما يتوقف على التصميم العملي لبرامج كل خطة من ناحية ثالثة، وتشتمل المسئولية النهائية للتخطيط في ضمان تناسق مسيرة التنمية، وهذا يعني تحقيق التناسق في اتجاهات التنمية التي تحددها الأهداف الاستراتيجية، وفي مهام التنمية، حيث تؤدي البرامج الجديدة إلى تقوية القاعدة الاجتماعية والاقتصادية القائمة.
هكذا تلألأ الوطن بالتنمية والازدهار وترابطت القرى بالمدن والمناطق بالمناطق بشبكة انتظمت فيها، فتراها في الليل من علو كخرز اللؤلؤ المنظوم في عقده، وخارطتها القارية المنبسطة الشاسعة ذات التضاريس المتنوعة، يدفع إنسانها الطموح من تنميتها الأولى 1970 حتى رؤيتها 2030 والتي أشعل جذوة برامجها الشاب الملهم محمد بن سلمان – أيده الله- مستمد قوته من ربه ثم من مكانة المملكة في عمقها العربي والإسلامي وموقعها المحوري للقارات وقوتها الاستثمارية الرائدة ومن هذه السمات الثلاث رسم استراتيجيتها في ستة أهداف : تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية وتحت هذا الهدف ثلاثة روافد كمستوى ثاني يغذي المستوى الأول : تعزيز القيم الإسلامية وخدمة المزيد من ضيوف الرحمن على أكمل وجه وتعزيز الهوية الوطنية، تمكين حياة عامرة وصحية، يُرويه ستة روافد: الارتقاء بالخدمات الصحية وتعزيز نمط حياة صحية والارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية وضمان الاستدامة البيئية ودعم الثقافة والترفيه وخلق بيئة ملائمة لتمكين السعوديين، تنمية وتنوع الاقتصاد: ويرفد له في مستواه الثاني تنمية مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتعظيم القيمة المتحققة من قطاع الطاقة، وإطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة، وتعظيم أصول ودور صندوق الاستثمارات العامة كمحرك للنمو، وترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، وتعميق اندماج الاقتصاد السعودي في المنظومة الإقليمية والعالمية، وتنمية الصادرات غير النفطية، زيادة معدلات التوظيف: أهدافه التي ترفده تطوير رأس المال البشري بما يتواءم مع احتياجات سوق العمل، وإتاحة فرص العمل للجميع، وتمكين خلق فرص العمل من خلال المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمشاريع متناهية الصغر، وجذب المواهب الوافدة المناسبة للاقتصاد، تعزيز فاعلية الحكومة من خلال تحقيق توازن الميزانية العامة وتحسين أداء الجهاز الحكومي والتفاعل بشكل فعال مع المواطنين وحماية الموارد الحيوية للدولة، تمكين المسؤولية الاجتماعية برفع مستوى تحمل المواطن للمسؤولية وتمكين الشركات المساهمة الاجتماعية وتمكين تحقيق أثر أكبر للقطاع غير الربحي.
وها هي رياض اليوم فلكم أن تشاهدوها تبرق بحليها وترفل بزيها وهامتها تعانق الغمام، وأرقامها بين أيديكم لولا الملالة من قراءة الأرقام لاستعرضنا إحصاءاتها في كل ميدان ولكل قطاع، ولكن أحببت أن تبقى اللوحة الوجدانية الذهنية، تتركز على مؤسسات التعليم العالي التي اتسعت مؤسساتها التعليمية المحدودة أثناء خطة التنمية الأولى (جامعتين وكليتين فقط) ومع ذلك اتسعت وقبلت كافة المتقدمين والراغبين، فليست خطة التنمية الأولى بأقدر وأوسع من رؤية 2030 وليس بينهما وجه مقارنة من حيث الحجم، التي بلغت مؤسساتها التعليمية في وضعها الراهن (39) جامعة ما بين حكومية وأهلية، ناهيكم عن بقية الكليات والمعاهد التي لم تشملها هذه الإحصائية، فهلاَّ اتسعت سياساتنا التعليمية في قبول كافة الراغبين والمتقدمين لمواصلة الدراسة، وليس من المبرر أن تؤصد الجامعات أبوابها بمحدودية قبولها أمام الراغبين في مواصلة دراستهم في اقتصاد كحجم اقتصاد المملكة، لتجد في كل بيت طالب وطالبة أو طالبين يتألمون في قائمة الانتظار تحت وطأة الفراغ والجده، وأملهم أن تشملهم مكرمة تُعمِّد جميع الجامعات بقبولهم ليلتحقوا بزملائهم وينهلوا مما نهلوا، هذا شغفهم أن يتعلموا ثم يساهموا في بناء هذا المجد، وبهذا تتحقق نتيجة مبادرة الاستثمار في الإنسان.
وفي الختام كل ما سلف من تفصيل يُعد علاقة وترابط الإنسان بالإنسان، ما هو إلا شكل من أشكال التنمية، أما القوة ففي مضمون التنمية وروحها، الأمر الذي جعل كل سعودي وسعودية يقفون خلف قيادتهم خَلَفٌ عن سَلَف في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- وولي عهد الأمين محمد بن سلمان –أيده الله- ليأتم العالم بهم، فبسبب روح التنمية وهي علاقة الإنسان بخالقه، فهي سيدة القيم وهويتها فإن تُركت وهُجِرت فقد فُتحت كنوزها للعدو وكُشِحت مصارعها لسهامه.
وطالما أن فلاسفة الغرب مقدمين في التصديق والاحتجاج بقولهم، هكذا موضة العصر ولغته، فقد قال معاصروهم المنصفون إن السر في قوتكم يكمن في علاقتكم بالله وتمسككم بهذه العلاقة، والسر في إنحاطاطنا نحن كغرب لأننا اصبحنا جلادين بسم حقوق الإنسان المزيفة، فمن صدّق كِذبتنا تحولت مدنه العامرة إلى دامره يعلوها التراب والخراب ويهجرها الحمام ويندبها البين والغراب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال