الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الاستراتيجية الإدارية هي تحديد مسارات العمل الانسيابية والذكية التي تكفل تحقيق أهداف المنظمة على المدى البعيد.
وكان ألفريد تشاندلر وهو أول مُنَظِّري الاستراتيجيات الحديثة قد عرَّفها بأنها: تحديد الأهداف والغايات الأساسية طويلة المدى للمنظمة، واعتماد مسارات العمل وتخصيص الموارد اللازمة لتلك الأهداف.
بعثت رؤية ٢٠٣٠ الحياة والحيوية والنشاط في مفاصل وزارات ومؤسسات وهيئات ومرافق الدولة، حتى أضحى بناء الاستراتيجيات وإعادة الهيكلة ثقافةً رائجةً ذات تنافسية عالية بين المسؤولين، وفي ظل هذا الرواج وهذه المنافسة الشديدة للحاق برؤية سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، ظهرت ممارسات وملاحظات رئيسية على هذا الحراك الباني للاستراتيجيات؛ أرجو تداركه والتنبه له لكي لا تتحول الاستراتيجية من خطة عمل هدفها انسيابية تحقيق أهداف المنظمة ومواكبة تطلعات رؤية 2030 إلى وسيلة هدر وعوائق وتعارض اختصاصات بين الجهات والمرافق الحكومية.
وتتلخص هذه الملاحظات والممارسات فيما يلي:
أولاً: عدم التنسيق بين الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية والجهات غير الربحية ذات العلاقة في مشروع صياغة الاستراتيجية، ما تسبب في غياب التجانس والتناغم بينها أو التعارض والتقاطع اللذين قد يتسببان بتكرار الجهود وهدرها أو تداخل اختصاصات إحدى الجهات مع الأخرى.
ثانياً: بناء الاستراتيجية بعيداً عن الأسس والاختصاصات التي نصَّ عليها نظام الجهة الحكومية أو تنظيمها، وتأسيس البناء على مهام افتراضية تعبيرية إنشائية رغم أنه يجب على الجهة الحكومية جعل اختصاصاتها المنصوص عليها نظاماً نبراساً لاستراتيجيتها وقاعدة لتشييد الاستراتيجية، وتجنب التراكيب والزيادة الافتراضية التي ستخلق اختصاصات افتراضية أو داخلة في اختصاصات جهة أخرى.
ثالثاً: بناء الهيكل الإداري بعيداً عن الأوزان النسبية للمهام والاختصاصات المنصوص عليها في نظام أو تنظيم الجهة الحكومية، وبالتالي عدم عكس تلك الأوزان على الهيكل الإداري، ما يخلق فجوة وتباين بين الهدف وآلية تنفيذه، وينتج هيكلاً إدارياً لا يلبي المتطلبات والمهام القانونية للجهة، ويهتم بمهام أقل أولوية أو أخرى افتراضية لا تمثل عمق المهام والاختصاصات التي نص عليها قانون الجهة.
رابعاً: تجاهل تجارب وخبرات قدامى موظفي الوزارة أو الهيئة والتعامل معها بنوع من السلبية والفوقية في حين أنها تحوي التفاصيل الدقيقة التي تضمن سلاسة وانسيابية الاستراتيجية وقابليتها للتطبيق والنجاح على أرض الواقع.
خامساً: تضخيم ملف الاستراتيجية والمبالغة فيه بهدف إعطاء مبرر للمبالغ المالية التي قد يكون مبالغاً فيها، حتى نصل إلى استراتيجية عسيرة الفهم معقدة التنفيذ على أرض الواقع، يتخللها الكثير من التعابير الإنشائية، وزحام من الرسوم البيانية في غير محلها، وكثافة في مؤشرات القياس والأداء تشل قدرة الموظف على التنفيذ لانشغاله عن الهدف الاستراتيجي بتلك المعايير والمقاييس المبالغ فيها والتي قد تتحول لضخامتها وكثرة تعقيداتها إلى هدف في حد ذاته، يشغل الموظف عن أهداف المنظمة الأساسية، ويتزامن مع ذلك الخلط بين استراتيجية الأهداف وخطة العمل التشغيلية.
سادساً: التشبث بالمثالية في إعداد الاستراتيجية وإعادة الهيكلة وتجاهل الواقع والقدرة المالية للمنظمة قد ينتج عنه استراتيجية غاية في الحسن والجمال، ولكنها استراتيجية غافلة عن الواقع والظروف المالية للمنظمة، وتسقط ركن من أركان الاستراتيجية وهي مراعاة ضمان الاستدامة المالية؛ فاستراتيجية كهذه قد تكون بداية النهاية للمنظمة.
سابعاً: أن يكون باعث إعادة الهيكلة وبناء الاستراتيجية استجابة للشعارات التي تنادي بإعادة التنظيم والهيكلة تقليداً لأساليب إدارية جديدة، كإضافة مسميات حديثة أو إدارة رقابية جَدّت في علم الإدارة، وليس لمعالجة خلال عميق في كيان المنظمة، ففي هكذا حالات يكون من الأسلم والمستحسن تطعيم المنظمة بالجديد دون زعزعة التركيبة العامة للاستراتيجية والهيكلة الأصلية للمنظمة.
ثامناً: عدم قيام الإدارة العليا والشركة المعدة للاستراتيجية بتوعية العاملين في المنظمة بأن الاستراتيجية وإعادة الهيكلة لن تؤتي ثمارها مهما كانت محكمة وجيدة التصميم والبناء في ظل التشاحن والكراهية، وغياب حسن النية، وعدم اقتناع العاملين بها وبكونها سوف تعود عليهم بالنفع على المدى البعيد. لذلك قال عميد الإدارة الحديثة بيتر دراكر: “تقوم الثقافة بأكل الاستراتيجية مع فطور الصباح”. يقصد ان ثقافة الموظفين في المنظمة بإمكانها القضاء على الاستراتيجية إذا كانت غير مؤمنه بها.
تاسعاً: تمارس بعض الشركات والمؤسسات التي تقوم بإعداد الاستراتيجية مهاماً غير منصوص عليها في نظامها أو سجلها التجاري كأن يكون اختصاصها تقديم خدمات الإنترنت لتُفاجأ بأنها قامت بإعداد حوكمة أو استراتيجية الجهة الفلانية؛ ما تسبب في رواج استراتيجيات تجار الشنطة نتيجة للاكتفاء بالسيرة الذاتية للشركة التي تقول إنها أعدت استراتيجية لعدد من الجهات والمنظمات، وهذا ليس معياراً علمياً، فالمعيار هو السؤال عمّا إذا كانت الشركة متخصصة بالفعل في تقديم الدراسات الإدارية (الاستراتيجيات، إعادة الهيكلة، الحوكمة، الأدلة الإجرائية، والأنظمة الأساسية)، وهل نجحت الاستراتيجيات التي قدمتها لعدد من الجهات على أرض الواقع؟، أم قام التنفيذيون في هذه الجهة أو تلك بإعادة إخراجها بصورة قابلة للتطبيق؟، فهذا كثيراً ما يحدث ولا يُعلن عنه.
وفي ظل رواج ثقافة بناء الاستراتيجية وازدهارها على مستوى القطاعين العام والخاص؛ آمل مراعاة الملاحظات سالفة الذكر والاقتراحات التالية:
1. عدم التعاقد مع الجهات التي ليس لها مقر في المملكة العربية السعودية تطبيقاً لتوجيهات الدولة -أيَّدَها الله-.
2. التحقق من أن السجل التجاري للشركة يخولها تقديم الدراسات والاستراتيجيات الإدارية.
3. الاستفسار من الجهات التي تم إعادة هيكلتها وبناء استراتيجيتها: هل كانت الخدمة المقدمة من الشركة نافعة وفعالة على أرض الواقع ؟….دمتم ودام الوطن بخير.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال