الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الاحتكار التجاري في نموذجه التقليدي، سيطرة شركة أو مجموعة أفراد على صناعة أو خدمة بعينها. ويكون الاحتكار واضحاً بشكله القانوني في الصناعات العملاقة التي تملك الحكومات مباشرة أو من خلال صناديقها السيادية معظم أو كافة أصول تلك الصناعات، كخدمات المياه والهاتف وسكك الحديد وإنتاج الطاقة وغيرها. وهذا النوع من الاحتكار معمول به في كثير من الدول.
ونظراً للقيود المفروضة وحساسية الصناعات التي تمثل مصادر دخل للدول، بجانب التكنولوجيا المعقدة لتلك الصناعات ورؤوس الأموال الضخمة اللازمة لإدارتها وتشغيلها، لا توجد حينئذ مبررات لدى عامة الأفراد نحو المنافسة على هذا النوع من الصناعة أو الخدمة (الأساسية) المحتكرة لشركة أو مزود خدمة واحد، بالرغم من السلبيات الناتجة على السوق بموجب احتكارها.
وباستثناء الاحتكار الصريح، يكون من الصعب تحديد نطاق الاحتكارات الأخرى لأنها لا تنطوي على تشريعات واضحة، وإنما على ممارسات فحسب. ذلك أن أنشطة بعينها تُتاح للجميع عُرفاً، لكنها مُحتكَرة من حيث المُمارسة!
وبطبيعة الحال، ليس كل احتكار هو سلبي من حيث المبدأ، فعُنصرَي الخبرة والقدرة مهمين أثناء التخطيط لإسناد بعض المشروعات لمجموعة مشغلين محددين لأهداف دعم المشروع، مثل نشاط السينما المحتكر تشغيله في المملكة على خمسة شركات تقريباً. فعلى الرغم من وضوح الاحتكار لهذه المجموعة، إلا أن (الخبرة والقدرة التشغيلية) تصبح مبررات كافية على المدى القصير لاقتصار تشغيل النشاط على شركات محددة فقط.
يبقى إذن ذلك الجزء الضخم من الصناعات التي بمقدور الأفراد المشاركة في إنتاجها وتشغيلها، وتتمثل في كافة الأنشطة الأخرى غير المُحتكَرة.
لو تناولنا نشاط مثل تقديم الخدمة الاستشارية أو الهندسية للمشاريع في المملكة، حيث لدينا ما يقارب عشرة آلاف مكتب استشاري وهندسي، جزء لا يقل عن %80 منه يُدار بكفاءات وطنية، لكن نسبة قليلة من التشغيل في قطاع الاستشارات يحظى بثقة الاستشاري الوطني، في حين (يسيطر) الاستشاري الأجنبي على النصيب الأكبر من إجمالي العمل الاستشاري.
لو نحينا جانباً حق الجهة المالكة للمشروع في اختيار الاستشاري المشرف باعتبار حرية السوق، فكيف نكون قادرين تبعاً لمبدأ المنافسة على تفسير تمحور معظم الجهات حول مجموعة معينة من الاستشاريين دون سواهم؟ بمعنى أن تُعطَى الأولوية في الاختيار لشركات استشارية لاعتبارات غير واضحة. هذا التمحور حول مجموعة استشاريين هو (احتكار خفي) يسيطر على الأعمال الاستشارية بكل وضوح!
كثير من الأنشطة في السوق المحلي يمكن وصفها كذلك بأنها محتكرة احتكاراً خفياً، والنماذج على هذا الاحتكار تظهر جلية في أنشطة لا تقل أهمية عن الأعمال الاستشارية كنشاط الخدمات التدريبية، خدمات النقل، الخدمات اللوجستية، التخديم المؤسسي، صيانة المباني، خدمات الاستضافة والتشغيل التقني، المقاولات وأنشطة أخرى تطول القائمة لذكرها!
كيف يعمل السوق في غياب الاحتكار الخفي؟
بالرغم أن التنافسية التامة في السوق مقصد مثالي، لكن غياب الاحتكار الخفي أو مكافحته يُعززان من حماية الموارد (رؤوس الأموال) وتنميتها وتحقيق أعلى استفادة من الخبرات المتاحة في السوق. تقود عملية التنافس أيضاً إلى خفض مستوى الأسعار نتيجة وجود البدائل المختلفة. لا يخفى كذلك أن غياب الاحتكار الخفي يعزز الابتكار ويرفع مستوى كفاءة وجودة الخدمات المقدمة. يمكن للاحتكار الخفي كذلك أن يكون سبباً جوهرياً للتحكم بكمية (العرض) من السلع والخدمات نتيجة هيمنة أطراف محددة على الانتاج ما يؤدي غالباً إلى ارتفاع الأسعار.
وتجدر الإشارة إلى ان السوق السعودي يشهد نمواً إيجابياً في الأنشطة غير النفطية بنسبة %10 تقريباً، وهي أنشطة تنافسية يجب أن تكون متداولة للجميع وفق القدرة والجدارة، لكنها تقتضي مزيداً من المراقبة التي تقود إلى تحقيق التوزيع والتنافس العادلين في السوق وإتاحة الفرص أمام الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال