الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أتسم البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2022 بلغة متزنة وأرقام تقديرية مطمئنة تعكس حالة استقرار المملكة المالي، وأيضا بإشارات دسمة وكأن هناك سيناريوهات بما الذي يكنّه الاقتصاد الوطني من انعكاسات إيجابية على المجتمع، وأيضا على القطاع الخاص في المستقبل خاصة المنظور، مما يستدعي الانتباه لها جيدا وبشكل دقيق.
أهم الأرقام في البيان لم يتعدى في العموم عن الإيرادات، النفقات، العجز أو الفائض، الدين العام، ومشاركة القطاع الخاص، مع الابتعاد عن التفاصيل العميقة التي لا تهم سوى أهل الاختصاص، وأهم ما يلاحظ فيه من إشارات:
الأولى: في الايرادات
أرقام الايرادات المتوقعة لعام 2022 منخفضة مقارنة مع أرقام السنوات السابقة وإن كانت بنسبة ضئيلة، إلا أنها غالبا تعكس أن المملكة قد عمقت بالفعل مرحلة عدم الاعتماد على النفط كالمصدر الأساس والأوحد في الدخل، فبالرغم من أن العالم يواجه ارتفاعات في أسعار النفط ومتوقع أن يكون متوسط سعر برميل برنت ما بين 65 و 70 دولار في العام القادم، بل ربما نرى ارتفاعات استثنائية اضافية بسبب أن العالم يدخل أزمة طاقة خاصة في الغاز الذي ارتفعت أسعاره بشكل جنوني نتيجة الطلب غير الطبيعي عليه، وما يحصل في الغاز ربما يجر معه النفط الخام أيضا، إلا أن مثل هذا السيناريو لم يعتد به في الأرقام التقديرية للميزانية.
الثانية: في الإنفاق
انخفاض أرقام النفقات يحصل دون المساس باستمرارية تنفيذ مشاريع الرؤية، وفي الجهة المقابلة هناك عامل مؤثر في خفض النفقات، من أسبابه فعالية منع الهدر المالي، كما أن الحكومة الرقمية ساهمت بشكل ملاحظ في خفض نفقات التشغيل في اغلب الخدمات الحكومية، وهذا يعني أن الرقمنة التي انتهجت تعمل بشكل فاعل، وأيضا الانتهاء من مراحل أولى لبرامج ومبادرات كانت تحتاج لانفاق رأسمالي عالي ولم تعد كذلك بحكم الانتهاء من مراحل أولية في هذه المشاريع، أو بعضها قد شارف على الانتهاء، وهذا كله بكل تأكيد يساهم في خفض الانفاق.
الثالثة: في العجز / الفائض
ملاحظ في البيان أن مع الانخفاض في النفقات، يوجد عجز في عامي 2021 و 2022، ولكن سيتحول بعدها إلى فائض بمبلغ 27 مليار في 2023 ويقفز إلى 42 مليار في 2024، لذلك فالعجز الحالي في الميزانية ليس مقلق، لأنه سيتحول إلى فائض تراكمي بمشيئة الله، مما يعني أن أعمال ترشيد الانفاق وانخفاض الانفاق الرأسمالي والحكومة الرقمية مسائل تساهم في رفع كفاءة الأداء المالي.
الرابعة: في الدين العام
البيان التمهيدي أظهر بأن الدين العام يدور في فلك نسبة 30% من مجمل الناتج المحلي، بالرغم من مرور المملكة عبر جائحة عالمية مفاجئة، وفي خضم مرحلة تطور واسعة ببرامج ومبادرات ضخمة وفي نطاق زمني ضيق (مستهدفات بحلول عام 2030)، وبالرغم من أنها ستنخفض إلا أنها في شكلها الحالي تعتبر نسبة تحسد عليها المملكة، فاليوم نرى الدين العام في الصين قد وصل إلى 290% من مجمل ناتجها المحلي، كذلك قفز الدين العام في فرنسا إلى ما يقارب 160 – 170%، وألمانيا وهي أغنى دولة في أوروبا، تعمل حاليا على إعادة جدولة ليس فقط لأصول ديون ولكن خدمة بعض هذه الديون، وهناك دول نامية مذعورة من شبح الافلاس.
وبينما مسموح للدين العام بالمملكة أن يصل حتى 50% من مجمل الناتج المحلي – وغالبا لن يحصل بإذن الله – فموثوقية المملكة في التزاماتها في أسوأ الظروف، يجعل دينها السيادي (صكوك أو سندات) يغطى بالكامل وبمضاعفات القيمة وفي وقت قياسي جدا (وقد حصل من قبل)، ذلك نتيجة اطمئنان أسواق الدين العالمية لموقف اقتصاد المملكة الائتماني وطبيعة قدرته على التغطية (Collateral) ، وأيضا المصداقية العالية نتيجة شفافية توجهاتها وأرقامها ولغتها الاقتصادية.
الخامسة: في مشاركة القطاع الخاص
مشاريع الدولة الضخمة ومع كل مرحلة تنتهي في هذه المشاريع تحتاج إلى من يشغلها، وهذا هو المتبع في الاقتصادات الكبرى والمتقدمة، وهنا الفرص كبيرة للقطاع الخاص الذي يهمه وفرة الفرص الاستثمارية، مما يترجم الإعلان عن رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص في مجمل الناتج المحلي من 40% إلى 65%، وذلك لما في جعبة الدولة من مشاريع كبيرة وأعمال تخصيص تحتاج إلى تشغيل مستدام وبفاعلية العقلية التجارية الاستثمارية للقطاع الخاص.
مثل هذا الإعلان في رفع المشاركة يعطي مساحة من الوقت للجهات ذات العلاقة لكي تكون جاهزة في دعم القطاع الخاص، مثل البنوك وتمويلاتها، أو التوسع الأفقي أو العمودي في تنظيم السوق من تشريعات لمجالات جديدة لم تكن قائمة، ورسالة أيضا للاستثمار الأجنبي بوفرة الفرص أمامه.
بينما لم ينتهي العالم من مواجهة جائحة كوفيد-19، ومازال أمامه مرحلة تعافي إضافية، ومع بوادر أزمة ديون وأيضا أزمة طاقة تلوح في الأفق، يؤكد البيان التمهيدي للميزانية العامة للعام المالي 2022 على منهجية المملكة في عدم الإفراط في التفاؤل، حتى تكون دائما على استعداد لمواجهة أي ظرف طارئ أو مفاجئ، ولكن وراء هذه الأرقام التقديرية إشارات دسمة بفرص واعدة في اقتصاد منطلق بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال