3666 144 055
[email protected]
نحن أمام حرب جديدة سوف يشهدها العالم خلال المرحلة المقبلة، ليس بعدد الطائرات الحربية التي تمتلكها ومعدات الأسلحة المتطورة، ولا صائدة الصواريخ ولا عدد الجيوش التي تقوم بتسليحها. ليس بهذه الطريقة تستطيع أن تظهر قوتك أمام العالم، لأنها ستكون قوة تقليدية.
العالم المتقدم يدخل حربا جديدة وهي استقطاب المواهب وسوف تدفع مبالغ باهظة لتتبنى مواهب منذ سن مبكرة لتنشأ على التقدم التكنولوجي والعلمي، وتسخيرها وإعدادها لتجهيز ابتكارات علمية وتقنيات متطورة، فالسباق القادم هو كيف تدير برامجك وتقنياتك بكل أمان وتحمي بياناتك من الحرب التي تشنها مافيا التقنيات، فهي إما تبعثر معلومات مهمة قد تسرق أسرارهم سواء كانت بنكية أو معلومات شخصية، وهذا ما حدث حينما تعرض اكثر من 100 بنك ومؤسسة مالية في نحو 30 دولة الى عمليات سطو غير مسبوقة بلغ حجم المسروقات خلال هذه الهجمات الى اكثر من مليار دولار.
هذا الحادث وقع قبل خمس سنوات، وهذه العصابات كما وصفتها شركة كاسبر زكي لاب للأمن الإلكتروني أنها تتكون من عناصر من روسيا وأوكرانيا والصين، وعادة مثل هؤلاء اللصوص يتواجدون في البلدان الأكثر ثراء ويتمتع أفرادها بالدهاء، ويلجؤون لهذه الحيل والممارسات، وتمكنت العصابة الإلكترونية من استغلال ثغرات موجودة في أي نظام، وتمكنت هذه العصابة من سرقة 10 ملايين دولار من كل بنك، وهي في العادة تسرق من حسابات البنوك المباشرة وليست الأفراد.
وتستخدم بعض العصابات التجارة الإلكترونية لغسيل وتبييض الأموال، وضبطت السلطات الأمريكية في عام 2020 خمسة بنوك عالمية استفادت من بعض العصابات الخطيرة في تدفق الأموال القذرة والمنهوبة، والتحقيقات لا تزال مستمرة. وخلال الخمس السنوات الماضية ارتفعت الهجمات السيبرانية ضد المؤسسات الحكومية وشركات الدفاع والتكنولوجيا، وتجاوزت خسائرها بالملايين، واحتمال تزيد هذه الهجمات خلال الفترة المقبلة، والأمر مقلق بالنسبة للبيانات الصحية التي يتوقع أن تتعرض للقرصنة وعمليات التجسس، وحسب التقارير العالمية فإن فئات المجتمع معرضة لاختراقات أمنية سيبرانية، لهذا سيكون الاهتمام بالمواهب التقنية، امر ضروري.
يبدو أن العالم سوف يتحد ويتعاون لمواجهة أي استغلال للثغرات الأمنية وفي المقابل يحرص على خوض تجربة اختطاف الموهوبين والنوابغ الذين تظهر عليهم، التميز والشغف والإبداع، وعدم تركهم، لقمة سائغة سهلة أمام عصابات يمكن تستغلهم بطريقة سيئة. وفرضت جائحة كورونا متغيرات وتوجهات جديدة إقليمية وعالمية واقتصادية وكذلك الاجتماعية والتكنولوجية، ويعد التنافس حول المعايير العالمية للبيانات والتكنولوجيا من اهم السباقات بين دول العالم والتي ستحدد مستقبل التنافسية والهيمنة الاقتصادية، ولعل من ابرز القطاعات التي ستنمو بشكل سريع في جميع أنحاء العالم وهو قطاع البيانات أو ” النفط الجديد” كما يطلق عليه الرئيس الأسبق لصندوق النقد الدولي، والحرب الأمريكية والصينية حول تحقيق التوازن التجاري سيادتها على البيانات عبر خفض اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية مثل الحوسبة السحابية ووسائل التواصل، وحماية منتجاتها، ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون ساحة المنافسة قطبي العالم الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
عالميا هناك صراع مواهب، ومهمة الجهات التي تدير أسواق العمل في بلدان العالم جذب المواهب ومطاردتهم واكتشافهم، فمثلا في سنغافورة، تم الكشف عن احتياجها الى مليون و200 الف عامل مدربين على المهارات الرقمية حتى عام 2025، وأعلنت عن منح تأشيرة خاصة لجذب رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم، والحال كذلك في فنلندا حيث دعت العاملين في مجال التكنولوجيا للانتقال إليها مع أسرهم من خلال حملة 90 يوما من كافة أنحاء العالم وتمنح حزمة مجانية مدفوعة التكاليف مع الاستفادة من المزايا الممنوحة للشركات الناشئة والرواتب التنافسية للعاملين.
تستمر الدول في خلق بيئة جاذبة للموهوبين وتامين معيشتهم وحياتهم الأسرية، بحيث يعمل الموظفون في هذا المجال بكل أريحية، وفي إستونيا استفادت من مستقبل العمل وتكنولوجيا العمل عن بعد، وأطلقت تأشيرة رقمية جديدة تسمح للعاملين عن بعد بالعيش في إستونيا والعمل بشكل قانوني لصالح صاحب العمل أو لشركتهم الخاصة.
عربيا تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إطلاق برامج تحفيزية لاستقطاب المواهب والكفاءات من الخارج مع تقديم التشجيع للمواهب المحلية. وتحتل الإمارات مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية للدول الأكثر قدرة وتنافسية على مستوى جذب واستبقاء المواهب والخبرات العلمية على أرضها وحققت المرتبة الثالثة في مؤشرات استقطاب الأجانب ذوي المهارات العالية وقلة تسرب المواهب وفق تقرير التنافسية العالمية.
اطلقت السعودية تجربة جديدة وهي تشجيع المواهب المحلية، من خلال مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وطرحت برامج متعددة ويبلغ عدد الموهوبين لديها اكثر من 133 الف موهوب من الجنسين، وتنفذ برامج في العلوم والرياضيات والإثراء المهاري والبحثي والاكاديمي، وهي خطوة مهمة اتخذتها الحكومة السعودية ببناء قاعدة للمواهب العلمية في كافة المجالات، وحصدت اكثر من 400 ميدالية وشهادة تقدير في الأولمبياد الدولية وحصدت 75 جائزة من خلال معرض آيسف الدولي للعلوم والهندسة، إلا انه لا يبدو هناك برنامج لاستقطاب مواهب من الخارج لاستثمارهم في الداخل.
كندا وهونج كونج وغيرها من البلدان، أدركت هذا الأمر مبكرا، وأطلقت برامج من شانها تشجيع المواهب واكتشافها وخلق بيئة ناضجة وخاصة في المجالات التقنية، وليس هذا فحسب بل مراجعة أنظمتها الاستثمارية بما يسهل لرواد الأعمال العمل أو إطلاق برامجهم وأنشطتهم خاصة في مجالات التقنية بكل يسر وسهولة، فالمستقبل سيشهد منافسة عالمية لسن المعايير واستقطاب رؤوس الأموال، والتفوق الحقيقي للدول الأقدر على استقطاب المواهب العالمية والاحتفاظ بها.
الأمر لا يتعلق فقط باختطاف واكتشاف الموهوبين خلال المرحلة المقبلة ضمن الحروب بين اقتصاديات الدول، لاقتطاع حصة أكبر من كعكة الاقتصاد العالمي، بل يشهد العالم قيام العديد من رواد الأعمال بإنشاء شركات رائدة سريعة النمو مبنية على ابتكارات في قطاع التكنولوجيا، حيث تحاول هذه الشركات اغتنام فرص الاقتصاد الجديد، وتسعى الحكومات لجذب هذه الشركات ولتوفير استثمارات في الأبحاث والدراسات والبيئة لضمان قيام هذه الشركات ونجاحها في أراضيها، ودول مثل الصين واليابان وألمانيا وبريطانيا تتسابق لجذب شركات بحثية.
في خارطة البلدان العربية، تبدو في الأفق بلدان قليلة التي لديها مثل هذا الاهتمام تجاه المستقبل والاهتمام التقني، منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، ويتطلب ليس فقط اكتشاف المواهب المحلية، إنما جذب مواهب أجنبية، وجذب استثمارات متخصصة في مجال التقنية والتكنولوجيا، ونشجع المقيمين في بلداننا على تشجيع من تظهر عليهم هذه النوابغ، والمحافظة عليهم، لانهم مكتسبات تحققت من خلال إقامتهم في هذه البلدان، فهجرتها أو مغادرتها دون الاستفادة منها، تعد خسارة كبيرة، ومن لم يستعد للمستقبل، بالتأكيد سيعض أصابع الندم.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734