الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنمية رأس المال البشري، وإعداد قيادات إداريَّة كفوءة قادرة على إدارة المنشآت العامَّة والخاصَّة وإنجاز المشاريع التنمويَّة، تعدُّ من أهمِّ مرتكزات النموِّ الاقتصادي. فتنفيذ الخطط العامَّة والمشاريع الاستثماريَّة الخاصَّة رهن بتوفُّر قدرات بشريِّة فعَّالة كمًّا ونوعًا. و من هنا تنبع أهميَّة قطاع تدريب الموارد البشـريَّة، ودوره في تنمية طاقات العاملين وتحسين معدَّلات إنتاجيَّتهم، وزيادة إسهامهم في نموِّ الاقتصاد وتطوُّر المجتمع.
تنحصر مهام مراكز تدريب القوى البشريَّة الخاصَّة العاملة في المملكة إبَّان مرحلة التنمية المتسارعة الراهنة في تأمين متطلَّبات خطط التنمية من الموارد البشريَّة المؤهَّلة لإدارة المؤسَّسات الحكوميَّة والمنشآت الخاصَّة بجدارة واقتدار. وكذلك الإسهام في خفض معدَّل البطالة عبر تأهيل الباحثين عن عمل، وتحسين فرص حصولهم على وظائف مستدامة. بالإضافة إلى إنجاح برامج توطين الوظائف في المملكة، ومعالجة الاختلالات التي يعاني منها سوق العمل وتقليص فجواته.
لقد أدَّى توسُّع هيكل الدولة، وتطوُّرمهام المؤسَّسات الحكوميَّة، وتصاعد حجم الاستثمارالخاصِّ في المملكة ، خلال العقدين المنصرمين إلى تفاقم الطلب على برامج تأهيل القوى البشريَّة في القطاعين العام والخاص. ارتفاع الطلب خلق فرصًا مغرية للمكاتب الاستشاريَّة الإقليميَّة والدوليَّة، كما حفز المستثمرين المحلِّيين على تأسيس مراكز تدريب ، قدَّم العديد منها برامج ناجحة متميِّزة وفقًا لمعايير تلك المرحلة ومتطلَّباته . ما يثير التسائل! غالبيَّة المراكز المحليَّة توقَّفت لاحقًا عن تطوير مناهجها وتحديث آليَّات التوصيل وتعزيزقدرات مدرِّبيها… فاستمرَّت في عرض مناهج تقليديَّة لم تَعُد تواكب متطلَّبات المرحلة، وأمست غير قادرة على تقديم إضافات نوعيَّة ومناهج معاصرة مبتكرة. هذا التلكُّؤ لا يلغي جدوى الإسهام النوعي لعدد من مراكز التدريب المتميِّزة ونجاحها في مواكبة التطوُّرات الحاصلة في ميدان التدريب، وتقديم مناهج مبتكرة ذات قيم مضافة.
اين تكمن مشكلة قطاع التدريب الاداري ، وما اسبابها؟
يعاني القطاع حاليًّا من حالة تراجع نوعي في المناهج والأدوات التدريبيَّة المعروضة، ومن شيوع مناهج تقليديَّة عاجزة عن مواكبة متطلَّبات نموِّ الاقتصاد السعودي. فهناك فجوة نوعيةَّ واسعة بين متطلَّبات نموِّ القطاعين العام والخاص، ومحتوى البرامج التدريبيَّة المعروضة ذات العائد الاستثماري المتواضع التي تطغى عليها النمطيَّة، وتفتقر إلى بُعدٍ أكاديمي، ومقوِّمات الفعاليَّة والمعاصرة، والتي قد تبدو غير مرئيَّة لكثير من مراقبي القطاع والعاملين فيه! تفاقم التحدِّيات في المرحلة السابقة، وتأثيرالجائحة السلبي في نشاط قطاع التدريب أسهما في كشف فجوات هذا النشاط، وآثارا أسئلة جادَّة عن مستقبل النشاط ، وقدرة المراكز التي تفتقر إلى الرؤية الصائبة والقيادة الفعَّالة، ومقوِّمات التنافس والتميُّز على مواصلة نشاطها في المراحل التنافسيَّة الصعبة المقبلة.
في المرحلة الراهنة، تواجه مراكز تدريب القوى البشريَّة في المملكة مجموعة متداخلة من ضغوط صادرة عن جانبي سوق التدريب الإداري؛ الطلب على المناهج التدريبيَّة وعرضها. في جانب الطلب، هناك مؤشِّرات دالة على تراجع إقبال القطاعين العام والخاص على المناهج التدريبيَّة التقليديِّة، والتركيز على المحتويات المبتكَّرة المعاصرة خلال المراحل المقبلة، ولأسباب عديدة أهمُّها:
أوَّلا، شروع عدد من المنشآت العامَّة والخاصَّة في تأسيس مراكزتدريبيَّة خاصَّة بها إثر فشل تجربة استخدام المراكز التدريبيَّة في تطوير مواردها البشريَّة.
ثانيًا، التحوُّل الجذري السريع في نوعيَّة الطلب، واعتماده المناهج النوعيَّة الحديثة التي تفتقرغالبيَّة المراكز المحليَّة إلى قدرة تقديمها بشكل فعَّال.
ثالثًا، تراجع تخصيصات المنشآت الخاصَّة المالية لتطوير مواردها البشرية من جرَّاء الانكماش الاقتصادي الراهن، وانخفاض ايراداتها نتيجة الإجراءات الوقائيَّة الاحترازية المفروضة للحدِّ من الجائحة.
إلى جانب ضغوط الطلب، تتعرَّض مراكز التدريب إلى ضغوط مؤثرة اخرى مصدرها جانب العرض. فمن المتوقَّع أن يشهد السوق ارتفاعًا كبيرا في عرض المناهج التدريبيَّة، وزيادة حدَّة المنافسة، في المرحلة المقبلة لإسباب مؤثِّرة عديدة، أبرزها:
أوَّلًا، دخول عدد كبير من مراكز التدريب والمكاتب الاستشاريَّة الأجنبيَّة سوق المملكة، نتيجة تصاعد النمو الاقتصادي، والتطوُّرالمؤسسَّاتي وغيرهما من عناصر الجذب الاستثماري، إلى جانب تضاؤل الفرص في أسواق دول الجواروالمنطقة .
ثانيًا، شروع عدد من الجامعات والكلِّيات السعوديَّة في تأسيس مراكز تدريبيَّة واستشاريَّة تقدِّم مناهج تدريبيَّة متطورَّة ومتنوِّعة إلى الأفراد والى منشآت القطاعين العامِّ والخاصِّ بأسعار منافسة مغرية.
ثالثًا، مبادرة عدد من المؤسَّسات الحكوميَّة إلى توفير مناهج تدريبيِّة ودورات تنمية القدرات الذاتيَّة وغيرها من البرامج الإداريَّة مجانًا إلى مالكي المنشآت الصغيرة والمتوسِّطة وروَّاد الأعمال، وإلى المواطنين والباحثين منهم عن فرص العمل خاصَّة.
رابعًا. توفُّر كم هائل من البرامج التدريبيَّة العامَّة المجانيَّة وشبة المجانيَّة المقدَّمة من جامعات أجنبية متقدِّمة ومراكز تدريب محليَّة وأجنبيَّة متاحة على شبكة المعلومات .
هذه التهديدات والضغوطات قد يترتَّب عنها إعادة ترتيب القطاع، واختفاء المراكز “الهامشيَّة” التي تعاني من تحدِّيات ماليَّة وإداريَّة، وتفتقر إلى رؤية مستقبليَّة وغير قادرة على مواكبة التطوُّرات المعاصرة في مجال تدريب القوى البشريَّة.
(يتبع)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال