الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان الجمع الغفير من السائقين محتشداً أمام “زيد” التاجر المحنك والذي يلقب بملك الشاحنات، يقفون في ترقب وخلفهم تقف شاحناتهم الضخمة المهترئة المتهالكة والتي تظهر سوء صيانتها من تسرب السوائل والزيوت من كل طرف منها. وجوههم وهيئتهم وعيونهم الجاحظة، تظهر مدى الجهد وقلة النوم وانعدام نظام الحياة الصحي لديهم.
كان الوضع مكهرباً بعد أزمة “حادث شاحنة المدينة” الشهير الذي توفى على اثره عدة مواطنين بسبب “سائق” لم يكن بحالة طبيعية، و “شاحنة” عديمة الصيانة، ورائهم شخص لا يعرف من لغة التجارة الا كسب المال فقط!. كان لا بد أن يتصرف زيد في هذا الموضوع، لأن السائقين قد يتوقفون عن طريقة العمل السابقة وهي ان تصل ساعات العمل ١٢ إلى ١٦ ساعة يومياً مع بضعة أيام للراحة شهرياً، وبالتالي ستتأخر الشحنات بالوصول لعملائه.
الواقع ان زيد قام ببناء نموذج العمل التجاري الخاص به على اساس ان سائق يمكنه القيادة لمدة ١٦ ساعة وأحيانا ٢٤ ساعة وان الشاحنة ذاتها يمكنها ذلك وبدون أي التزام بصيانة دورية!! وعندما تتلف اي قطعة غيار في الشاحنة يتم شراء قطع مستعملة وتركيبها حتى لا تتوقف الشاحنة ولا يوم واحد. أما وضع السائق الصحي، فالنظام واضح تماماً في شركة زيد، بمجرد ان يمرض او يصاب السائق بعجز مهني، يتم تسكين آلامه في مستوصف صغير وترحيله من البلاد فوراً.
كل ما سبق يعلمه الجميع عن زيد، و زيد نفسه يعلم اننا نعلم، المشكلة ليست في كل ما سبق، المشكلة التي يعلمها زيد جيداً هي سكوته المتعمد عن الطريقة الكيميائية المحظورة لإبقاء عيون السائقين مفتوحة لساعات طويلة يومياً، وهنا تهجم وجه زيد لمجرد التفكير بأمر المنشطات والمخدرات، وقد قرر بدء كلمته حينها بلا تردد.
بدأ زيد حديثه “الأخوة الكرام، اعلم انني اجبرتكم على العمل لساعات تفوق طاقتكم طوال السنوات الماضية، وهذا كان سبباً في كل الخير الذي وصلنا له اليوم ولكن هذا انعكس على المجتمع سلباً من حوادث قتلت العديد من الأبرياء نعلم جيداً اننا تسببنا في قتلهم”. وتعالت صيحات السائقين بلغات مختلفة، تتلخص في نفي الاتهام عنها.
واستطرد زيد “ولكنني أود اليوم أن نفتح صفحة جديدة من حياتنا العملية، بقرارات حازمة تنهي الحقبة الماضية تماماً، ونبدأ مرحلة جديدة تتضمن ساعات عمل محددة لا تزيد عن ٨ ساعات يومياً، مع اجازة نهاية اسبوع، وكشف شهري على الحالة الصحية للسائقين ومنع تعاطي المنشطات والمخدرات او اي مواد كيميائية بغرض اليقظة لفترة طويلة، وذلك عبر عقوبات إدارية بالفصل والابعاد عن البلاد، وأيضاً عقوبات جزائية من الجهات الأمنية.
لذلك – والحديث لا زال لـ زيد- “احث الجميع على استغلال فرصة الإفصاح عن تعاطي اي مواد، حتى يتم إيقافه عن العمل وبدء رحلة علاجية قصيرة يعود بعدها لشاحنته. إضافة إلى ذلك فقط تعاقدت شركتنا مع اكبر شركة صيانة بالبلاد لتوفير خدمات الصيانة بجميع المدن الرئيسية عند مرور الشاحنات بها. مع وجود برنامج للصيانة الدورية، مع الالتزام بتجديد كرت التشغيل واستيفاء كافة متطلباته”.
وأنهى زيد كلمته “التشريعات والقوانين الصارمة تم وضعها من مؤسسات الدولة، وتحايلنا عليها حتى نقلل مصاريفنا، وكل هذا على الرغم من تحصيلنا لايرادات فلكية، رحم الله كل من توفى في حادث شاحنة، ولن اسمح بتكرار الأخطاء التي اوصلتنا اليه”.
كل ما ذكر أعلاه هو قصة حقيقة لضمير حي مبادر، اتمنى ان أراه من كل شركة نقليات، أو مؤسسة صغيرة تمتلك عدد بسيط من الشاحنات، حقيقة، كلنا مسؤولون عن الأرواح التي ازهقت، سواء بضلوع البعض في عدم أداء عملهم، أو سكوت اغلبنا عن أخطاء تراها أعيننا وتسكت عنها ضمائرنا، خالص عزائي لعوائل واصدقاء شهداء شاحنة المدينة، قلوبنا معكم، ولن نسكت مستقبلاً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال