الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صحيح أن التضخم بدأ منذ تخفيف قيود حظر كورونا في معظم دول العالم، بل إنه في بعضها بدأ مع بداية كورونا. إلا أنه وللأسف الشديد مازال في بدايته، وسوف يواصل الصعود خلال الأشهر القادمة. ومن المتوقع أن يكون هذا التضخم من أشد حالات التضخم بعد الحرب العالمية الثانية لأن أسبابه كثيرة ومركبة وجميعها تعمل في نفس الوقت ويدعم بعضها بعضا مما يضاعف الأثر على الأسعار.
السبب المولد لجميع الأسباب هو وباء كورونا، حيث أدى الوباء وتصاعده بشكل كبير طوال سنتين تقريبا إلى خفض العرض لجميع السلع، وخفض الطلب على بعض السلع. وقد أدى ذلك إلى تراجع أسعار السلع والخدمات غير الضرورية بنسب متباينة حسب طبيعتها. أما المواد الغذائية والأدوية والخدمات المتعلقة بها فقد كأن تأثير الوباء على أسعارها سلبيا حيث رفع معظمها. بعد تخفيف قيود كورونا عالميا حدث التالي:
أولا الانخفاض الكبير جدا في عرض جميع السلع والخدمات بدون استثناء. ومن أسباب انخفاض العرض ما يلي؛ انخفاض الإنتاج بسبب كورونا والذي وصل في بعض المصانع للصفر. وعودة الإنتاج للطاقة القصوى يحتاج بعض الوقت، هذا في حال توافرت جميع عناصر الإنتاج، وهو ما لا يحدث غالبا، فإعادة تأهيل المصانع المتوقفة يستغرق وقتا وتكاليف عالية.
وعدم توافر عناصر الإنتاج السبب الثاني في انخفاض العرض. فالعجز في العمالة مثلا، وعناصر الإنتاج الأولية كبير في جميع الدول المنتجة بدون استثناء. وعناصر الإنتاج تلك تتأثر بكل أسباب التضخم التي سنذكرها كسلعة أو خدمة. فعلى سبيل المثال مصنع في اميركا يستخدم 27 عنصرا كيميائيا في إنتاجه، أحد هذه العناصر من الصين، توقف انتاج ذلك المصنع تماما لعدم توافر ذلك العنصر من الصين. والعجز في عناصر الإنتاج أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بدرجة كبيرة جدا، وبالتالي أسعار المستهلك.
ثانيا الارتفاع الكبير في الطلب العالمي على جميع السلع والخدمات كفعل طبيعي لتلبية الاحتياجات الناقصة فترة الوباء. فبعد العودة التدريجية للحياة الطبيعية كما كانت قبل الوباء، ارتفع الطلب على السلع والخدمات بشكل كبير. وارتفاع الطلب مع نقص العرض ضاعف الأسعار بصورة جنونية، كسلوك طبيعي جدا للأسعار في مثل هذه الحالة.
ثالثا أدى الوباء إلى مشاكل كبيرة في سلاسل الإمداد. منها محاذير الوقاية التي أدت إلى عجز في خدمات التحميل والشحن والنقل، مثل إلزامية التطعيم وكثافة العاملين في موقع محدد. ومنها عجز سعة كثير من موانئ العالم عن تحمل العدد الكبير للسفن التي ترغب في الرسو، وطول انتظارها خارج الموانئ، مما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار من جانبين، أولا تأخر وصول السلع ما يعني استمرار نقص العرض، وارتفاع تكاليف السلع بسبب تكاليف الانتظار في الموانئ. كما أن الطلب على سفن الشحن كبير مما أدى إلى عجز في المعروض وبالتالي ارتفاع في التكاليف. وأيضا النقص الكبير في حاويات النقل، حسب ما ذكرت كبريات شركات الشحن، بأن الحاويات الفارغة متناثرة في العالم، ولا يعرفون أماكن كثير منها، وأن ذلك تسبب في عجز في الحاويات. كما أن إعادة الحاويات الفارغة من الدول المستوردة غير المنتجة إلى الدول المنتجة مثل الصين يستغرق وقتا وتكاليفا كبيرة. كل تلك المشاكل في سلاسل الامداد ضاعفت من تكاليف الإنتاج والنقل والشحن والتوزيع، ونقص في المعروض، وبالتالي ارتفاع في الأسعار.
رابعا ارتفاع أسعار الطاقة (النفط والغاز والكهرباء). النقص في امدادات الغاز والبترول أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعاد الكهرباء، وبالتالي أسعار الإنتاج. كما أن ارتفاع أسعار الطاقة رفعت أسعار النقل والشحن إضافة إلى مشاكلها الخاصة. وتأثير أسعار الطاقة على تكاليف الإنتاج مضاعف. فمن جانب الدولار مرتبط بالنفط، حيث أدى ارتفاع النفط إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات العالمية، وبالتالي رفع أسعار جميع السلع والخدمات. ومن جانب أخر أدى ارتفاع أسعار الطاقة والدولار، إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، كذلك أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل منفصل، لأن أسعار الطاقة تؤثر بشكل منفصل على تكاليف تجارة التجزئة.
خامسا التباطؤ الذي حدث فترة كورنا تسبب في خسائر كبيرة جدا لكل الشركات والمؤسسات والمصانع، وبعضها تكبد ديون كبيرة، والبعض أفلس. ورغبة الشركات بتعويض خسائرها وتكاليفها أثناء الجائحة يجعلها تضيف تلك الخسائر والتكاليف إلى تكاليف الإنتاج الحالية. وربما كانت شركات الخدمات أكثر وضوحا من غيرها، مثل شركات الطيران والفنادق وغيرها، لأنها تدرك أنها لن تستطيع رفع الأسعار بعد عودة المنافسة كما كانت في السابق.
كل تلك الأسباب أدت إلى نقص كبير في عرض السلع والخدمات وبالتالي ارتفاع الأسعار على مستوى العالم. بالنسبة للسعودية فهناك أسباب إضافية خاصة تزيد من معدل التضخم داخليا. أولا أن السعودية دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها، ما يعني أن ما يسمى في الاقتصاد (بالمعجل أو المسرع) سوف يزيد من أسعار السلع والخدمات، كل سلعة أو خدمة حسب طبيعة (معجلها) أو طبيعة العوامل المؤثرة فيها من بلد الإنتاج حتى تصل ليد المستهلك. فالتضخم المستورد لا يتم استيراده بنفس النسبة في بلد الإنتاج، بل يكون بنسبة أعلى عن بلد الإنتاج غالبا، وتختلف نسبة الارتفاع من سلعة أو خدمة لأخرى.
السبب الثاني ضريبة القيمة المضافة التي يعد تأثيرها مسألة حسابية، وبشكل مباشر وواضح، أي زيادة 15٪ في كل سلعة أو خدمة يشتريها المستهلك في السعودية. وهذه النسبة كبيرة بحد ذاتها، ومع إضافتها إلى التضخم فسوف تعمل على مضاعفة الأسعار بشكل كبير جدا ومؤلم. إضافة لجشع كثير من التجار الذين لا يقبلون بتراجع نسب أرباحهم المبالغ فيها أصلا.
كل ما سبق يضعنا في مواجهة تضخم مؤلم جدا ما زلنا في أوله، وقد يستمر حتى نهاية العام القادم، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيا. ودور المستهلك مهم جدا في حماية نفسه من آثار هذا التضخم من خلال خفض استهلاكه قدر الإمكان، بإلغاء أو تأجيل غير الضروري من السلع والخدمات، وخفض الضروري إلى أدنى حد ممكن، وبالبحث عن البدائل المناسبة.
لكن يظل الدور الأكبر على المؤسسات الرسمية، من خلال خفض الضرائب والرسوم، وتأمين سلاسل الإمداد، وإيجاد البدائل السلعية، ومراقبة الأسواق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال