الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عن أسلوب ونظام الحوكمة، وعن ضرورة تطبيقها في الشركات المدرجة وغير المدرجة، والعائلية وغيرها، بل حتى في القطاعات العامة. فما هي الحوكمة؟ وماذا تعني الحوكمة داخل الشركات؟ وما أسباب ظهور حوكمة الشركات؟ وبماذا تتميز الحوكمة عن غيرها من النظم الأخرى؟ و إلى أي درجة من الفائدة يمكن أن يحققها تطبيق الحوكمة؟ في هذا المقال سأعرض لكم عن مفهوم الحوكمة عموما ومن ثم سنتطرق تحديدا إلى مفهوم حوكمة الشركات وأسباب ظهورها وخصائها وفوائد تطبيقها.
بالعودة إلى السبعينات في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية تحديدا، ومع ازدهار الاقتصاد ونمو الشركات المساهمة ظهر مصطلح حوكمة الشركات لأول مرة في السجل الفيدرالي، وارتبط الحديث عن الحوكمة بالشركات حتى أصبح يعرف كمصطلح واحد “Corporate Governance” أي حوكمة الشركات. ومن ذلك الوقت حتى عهدنا الحالي توسع انتشار هذا المفهوم وازدادت أهميته نظرا للأزمات المالية التي مر بها الاقتصاد العالمي والتي كشفت ضعف الحوكمة في الشركات والمؤسسات المالية، وحرصًا على مصالح المساهمين بشكل عام وصغار المساهمين خصوصا حرص خبراء الحوكمة على معالجة تعارض المصالح، وتفعيل أداء مجالس الإدارة وتعزيز الرقابة الداخلية ومتابعة تنفيذ الإستراتيجيات داخل الشركات، و انتقل هذا المفهوم -الحوكمة- إلى العديد من أنواع الشركات كشركات المساهمة المدرجة وغير المدرجة، وكذا الشركات العائلية. كما شملت الحوكمة مجالات أخرى غير مجال الشركات مثل:
*حوكمة العقود
*الحوكمة التعاونية
*الحوكمة الإلكترونية
*حوكمة الوقف والقطاع غير الربحي
ولم يتوقف مفهوم الحكومة على القطاع الخاص بل حتى في القطاعات العامة و الحكومية، وشهد عصرنا الحالي العديد من صور ممارسات الحوكمة في القطاعات العامة على مختلف البلدان.
حوكمة الشركات:
عرّفت هيئة السوق المالية السعودية حوكمة الشركات على أنها: القواعــد التي يتم من خلالهـا قيادة الشـركة وتوجيهها وتشــتمل على آليات لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والمديريــن التنفيذييــن والمسـاهمين وأصحاب المصالـح، وذلك بوضع إجراءات خاصة لتسـهيل عمليــة اتخاذ القـرارات وإضفاء طابع الشـفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالـح وتحقيق العدالة والتنافسـية والشفافية في السوق وبيئة الأعمال.
كما عُرّفت بأنها :”بأنها مجموعة من القواعد والممارسات والضوابط الرقابية التي تهدف إلى ضمان قيام الإدارة باستخدام أصول الشركة المادية والمعنوية بأمانة لمصلحة المساهمين أو تمكين المساهمين وغيرهم من دوى المصالح بالشركة من ممارسة حقوقهم وحماية مصالحهم′′.
خصائص حوكمة الشركات:
تتفق تعريفات حوكمة الشركات على عدة خصائص تميزها عن غيرها من الأنظمة الأخرى وهي كالآتي:
1- حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح من المخاطر التشغيلية والمالية.
2- تفعيل الدور الإشرافي والتنفيذي لمجالس الإدارات.
3- الحد من الفساد المالي والإداري عن طريق تحقيق وتوفير الضمانات.
4- المساءلة المحاسبية لإدارة الشركة وتقدير وتقييم أعمالها.
5- تعزيز الرقابة الداخلية في الشركة.
6- تطوير نشاط المراجعة الداخلية إلى توقع سلوك الأداء المستقبلي للشركة.
أسباب ظهور حوكمة الشركات:
إن الرغبة في نجاح الشركات وتحقيقها لأهدافها التي وجدت من أجلها كان من أبرز أسباب ظهور الحوكمة، لذلك تحرص الشركات على وجود إطار حوكمة قوي فيها يتضمن لوائح وسياسات تنظم العلاقات بين جميع الأطراف وتضمن العدالة والشفافية نظرا لأنها -بالنسبة للمساهمين- تعزز مستوى الثقة والاطمئنان تجاه استثماراتهم، فهي مؤشر على دراية مجلس الإدارة و الإدارة التنفيذية بالمخاطر التي تحيط بالشركة وبالتالي حماية الشركة من الخسارة أو الإفلاس. كما تؤدي الحوكمة إلى تحقيق الشفافية و تأطير مسؤوليات الإدارة ومساءلتها عن تصرفاتها وأعمالها. بالإضافة إلى أنها تساعد المستثمر في اختيار قرار الاستثمار من عدمه، لذا تعتبر عامل من عوامل جذب للمستثمرين.
إضافة إلى أن المساهمين غالبا ما يفوضون آخرين في إدارة أعمال الشركات، ووجود الحوكمة يحفظ تحقيق أهداف الشركة وحقوق المساهمين من التلاعب أو الضياع، كما أن المديرون قد لا يكونوا من ملاك الشركة، مما قد يؤدي إلى تضارب المصالح، بتغليب بعض المدراء مصلحته الشخصية على مصلحة المساهمين أو الشركة.
نخلص من ذلك إلى أن تطبيق الحوكمة داخل الشركات سيؤدي إلى تحقيق فوائد كبرى على عدة جوانب يمكن تصنيفها على أربعة جوانب، الجانب الاقتصادي، والجانب الاجتماعي، والجانب المحاسبي والرقابي، و الجانب القانوني.
من الجانب الاقتصادي: يحقق تطبيق الحوكمة على استقرار الأسواق المالية وتقليص حجم المخاطر التي تواجه النظام الاقتصادي، كما تساعد على نمو وتوسع الشركات المساهمة وزيادة القدرة التنافسية في القطاع الخاص. وأيضا تعمل على زيادة الإصلاحات الاقتصادية العالمية وتحسين مستوى جودة الإنتاج السلعي والخدمي. بالإضافة إلى زيادة فرصة التمويل و الاستثمار وتعظيم عوائد الاستثمار وانخفاض تكاليفه وتحقيق أداء أفضل وتكوين قيمة كبرى للشركات. كذلك تعمل الحوكمة على حماية المستثمرين وحقوقهم من الخسارة الناتجة عن تغليب بعض المسؤولين أو المدراء مصالحهم الشخصية وإساءتهم لاستخدام السلطة.
ومن الجانب الاجتماعي: تؤدي الحوكمة إلى تعزيز مستوى الثقة عن طريق بناء علاقة وثيقة بين إدارة الشركة وبين العاملين والدائنين والموردين وغيرهم، وإقامة التوازن بين المصالح و الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وبين الأهداف الفردية والعامة. فتوفير فرص العمل و التعاون على تخفيف حدة الفقر يعكس صورة جيدة ويساعد على قبول الشركة بين المجتمع.
ومن الجانب القانوني: فالحوكمة تعمل على تقويم القوانين و القرارات التي يتم تنظيمها وتنفيذها بشكل دقيق، كما تحدد العلاقات بين أصحاب المصالح وحقوقهم مثل حملة الأسهم، مجلس الإدارة والتنفيذيين، العاملين والدائنين وغيرهم من أصحاب المصالح.
ومن الجانب المحاسبي: فالحوكمة تقوم على الرقابة و المتابعة لآلية العمل داخل الشركة، وتصحيح الانحرافات و الأخطاء، كما تساعد على تطوير عمل الشركة. ويمنع تطبيق الحوكمة من حصول الفساد المالي و الإداري من خلال تحقيق الرقابة و الالتزام بمعايير التدقيق و الاستفادة أيضا من نظم المحاسبة، وانتهاء إلى تحقيق الحيادية و النزاهة و العدالة بين جميع مستويات الإدارة.
وختاما، لكل ما سبق تعد الحوكمة هي الطريق والوسيلة في الحماية من التجاوزات و الانحرافات التي قد تؤدي إلى إفلاس الشركة، ومن ثم استدامة عمل الشركات والتنمية وازدهار الاقتصاد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال