الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشهد السوق القانوني السعودي تطورًا ملحوظًا، ولا شك أن مهنة المحاماة تحظى بأهمية فائقة في أي دولة، ومع تزايد عدد صفوف كليات الحقوق، وحديثي التخرج، ومن لا يزال في رحلة البحث عن موقعٍ مميزٍ لممارسة مهنة المحاماة؛ فلا شك تشكل التكاليف والأعباء الاقتصادية، وتحديدًا التشغيلية التي يتكبدها المحامون، هاجسًا كبيرًا لأصحاب هذه المهنة. مع الأخذ في الاعتبار التنافسية المتصاعدة في السوق القانوني، وازدياد الأعباء الاقتصادية. ويأتي السؤال، هل الاندماج بالذات للمكاتب المتوسطة والناشئة مناسبًا، أم خيار التشارك في مساحة مكتبية واحدة لعدد من المحامين هو الأنسب؟
بداية فكرة الاندماج بين شركات أو مكاتب المحاماة كبرت أم صغرت، لم تنضج على أرض الواقع في الدول العربية مقارنة بنظرائهم في الغرب؛ لأسباب متعددة اجتماعية ونفسية. وقد تخلدت في أذهاننا ونحن صغار، الأمنيات بامتلاك شركة محاماة خاصة بنا، دون الحاجة لمشاركة محام آخر يقاسمننا الأتعاب أو الإدارة. ومن الناحية العملية البحتة، إن قرار الاندماج بين شركات أو مكاتب المحاماة، يتطلب قرارًا استثماريًا وتجاريًا كحال أي اندماج، ولهذا القرار العديد من المزايا والعيوب. فالاندماج بالذات بين الشركات الكبيرة مقارنة -بالاستحواذ على شركات أقل حجمًا- سيمنح شركات مكاتب المحاماة المندمجة بُعْدًا قويًا وصلابة، خاصة في ظل ظروف التنافسية التي يشهدها القطاع. والقدرة على تقديم خدمات ومنتجات قانونية واسعة النطاق؛ مما يعزز من فكرة خدمة عميلك بشكل أفضل. والبيئة المناسبة للتكيف واصطياد المواهب؛ مما يجعل تلك الشركات المندمجة أكثر تميزاً عن منافسيها، لا سيما الأجنبية. وفتح مجالات أخرى قانونية. والميزة الأخيرة التي لا تقل أهمية عما سبق ذكره؛ هي تقليل التكاليف الاقتصادية، كالتشغيلية والدعاية.
وفي المقابل، قد تظل هناك بعض الصعوبات المالية والقانونية، كالوقت المستغرق لمناقشة صفقة الاندماج، فضلًا عن العزم على إتمامها، والقيام بما يتطلبه الفحص النافي للجهالة، وصعوبة التقييم لصفقات الاندماج، بين تلك الشركات أو مكاتب المحاماة التي تنوي الاندماج، والخلاف المحتمل حول اختيار المدير القادم، فضلًا عن احتمالية عدم التمازج لاحقًا، والاختلافات النفسية التي قد تؤدي إلى فشل الصفقة. ولكن حقيقة من الناحية العملية، فإن خيار الاندماج قد لا يكون منسجمًا أو موائمًا لمثل هذه الشركات والمكاتب؛ بسبب صغر حجمها. فما الحل هنا؟
لو استبعدنا خيار الاندماج ربما التشاركية في مساحةٍ مكتبية واحدة، والتي انتشرت بشكلٍ واسع في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتقليل التكاليف التشغيلية؛ فإن المشاركة في موقعٍ واحدٍ، وسكرتارية، وموظف للاستقبال، وقاعة اجتماعات واحدة؛ قد يكون خياراً مناسبًا لمن تأهلوا حديثاً لممارسة المهنة، أو لمن لا يزالوا في رحلة البحث عن مواقع مميزة لمكاتبهم. والجدير بالذكر، إن الحديث هنا غير موجه لما يفعله بعض المحامين في تحمل عبء الايجار بالكامل لوحده، مع المشاركة في بعض النفقات في مساحةً مكتبية مع محامين أو غيرهم من مهن مختلفة؛ فهذا له تنظيم مختلف. الحديث هنا تحديدًا موجه للمحامين المتشاركين في الموقع لتقليل تكلفة الايجار، بتوفير صالتيِّ استقبال واجتماعات واحدة، والصيانة، والطابعة، وغيرها، وحتى بالتوجيه والتوصية أو حث عملائه للتعاقد مع جارهِ المحام -الذي يشاركه النفقات التشغيلية-في بعض الجوانب الغير ملم بها. فتلك الممارسات مازالت غير منظمة تنظيمًا واضحًا في السعودية، على غرار التطبيقات القضائية الأمريكية ونقابات المحامين الأمريكين.
يجد المتابع في النقابات الأمريكية، التنظيم الواضح لهذه التشاركية بين المحامين. فعلى سبيل المثال، هناك المنع من تمثيل عملاء بمصالح متعارضة لدى المحامي المتشارك مع زميله الآخر، والتنظيم الصريح لمسألة أرشفة معلومات العملاء بين المحامين المتشاركين، وماهية الطريقة المناسبة في حالة اختراق السرية لعميل من العملاء. وحتى عند توجيه الاعلانات على سبيل المثال، توجب النقابات أن يكون الإعلان واضحًا لهذه التشاركية. والجدير بالذكر، إن التطبيقات القضائية، لها النصيب الواسع لتنظيم التشاركية، والمسؤولية القانونية بين المحامين المتشاركين؛ فمؤخرًا حمَّلَت المحكمة محاميًا أرسل عميله لجاره المحامي، مسؤولية خطأ الأخير؛ لفشل إفصاحه عن عقد النفقات التشاركية. بعبارة أخرى، أصبحت المسئولية القانونية تشاركية فيما بينهما؛ رغبة من المحكمة في حث المحامين على الكشف عن مثل هذه الاتفاقيات للعملاء، حتى يكونوا على بينة.
ختاماً مقارنةً بالاندماج، يمكن القول: إن خيار التشاركية قد يكون مناسبًا بالذات، عندما يكون المحامون المتشاركون، لديهم الميول والمهارات القانونية المختلفة؛ والانتقال إلى موقعٍ متميزٍ، قد لا يستطيع المحامي لوحده تحمل عبء تكاليفه، وفتح شبكة من العلاقات مع غيره من المحامين. ولكن على مستوى المحامين المتشاركين، يستحسن أن يكون هناك عقدًا لترتيب هذه التشاركية، توضح فيه الالتزامات المالية لكل الأطراف اتجاه الايجار، السكرتارية، الأدوات، وغيرها مما يتشارك فيه المحامون. وضع الحلول والوسائل القانونية، في حالة لا قدر الله ظهر نزاع فيما بينهم.
وعلى المستوى التنظيمي، لا شك هناك دور تنظيمي كبير للجهات ذات الاختصاص للنهوض بهذه المهنة، خاصة مع تزايد أعداد ممارسي المهنة من الإناث والذكور، ولا ننسى أن هذه التشاركية قد تمثل اختبارًا مهمًا، قبل اتخاذ قرار الاندماج تحت مظلة شركة محاماة واحدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال