الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ بداية النهضة العمرانية ومع تأسيس المملكة العربية السعودية، ثم حقبة اكتشاف النفط مر السوق العقاري بتحولات جذرية في شكله وممارسته وحجم المنافسة فيه. برزت أسماء رجال الأعمال الذين خلدت إنجازاتهم وسمعتهم حتى يومنا هذا وأصبحوا علامات تجارية تقيم بمليارات الريالات، بادروا كقطاع خاص في مشاركة الدولة حلم النهضة العمرانية، فساهموا بتوسيع النطاق العمراني، وتطوير كود البناء من بيوت الطين إلى الاسمنت المسلح، بالإضافة إلى المساهمة في إيجاد حلول تمويلية تسرع عجلة التنمية، فظهرت المساهمات وتأسست شركات نوعية في هذا القطاع البكر، وساهمت الجهات الحكومية في دعم وتأييد ذلك الحراك النوعي والذي غير خارطة وشكل المملكة العربية السعودية لما نراه اليوم.
كان تجار العقار يمارسون فن العلاقات العامة التقليدية كتنظيم الاجتماعات والمؤتمرات والندوات المنزلية والمكتبية لعقد الصفقات، وإغلاق المساهمات، وحرصهم على العلاقات الحكومية والتحالفات الهادفة. والمحترف من الشركات العقارية آنذاك ينشر إعلانات عن المنتج العقاري ويدعم الإعلان بعرض الحلول التمويلية المتاحة.
في ذلك الوقت كان عدد السكان لا يتجاوز ٤ مليون نسمة وحجم السوق محدود، أما اليوم فعدد السكان يفوق ٣٤ مليون نسمة وحجم السوق يتجاوز تريليون ريال سعودي ومساهمة السوق بنسبة تتجاوز الـ ٩.٦٪ من إيرادات القطاع غير النفطي حسب آخر إحصائية معلنة في ٢٠٢٠م.
فهل العلاقات العامة مازالت هي الأكثر جدوى لدى العقاريين؟
لتكون الإجابة دقيقة سأركز في مقالي هذا على قطاع الإسكان حيث تبلغ عدد صفقاته ما يتجاوز الـ ٥٦٪ من إجمالي الصفقات العقارية.
وتشير STATISTA حسب إحصائية نشرتها بأن حجم قطاع الإسكان في المملكة تجاوز الـ ٦٢ مليار سعودي، مقارنة مع كبرى اقتصاديات العالم مثل أمريكا والذي يبلغ حجم قطاع الإسكان لديها ١٩١ مليار ريال سعودي، وبريطانيا ١٠٣ مليار سعودي (ناهيك عن فارق عدد السكان وتوفر الحلول التمويلية بعمر يسبق المملكة بكثير).
ومع هذا التقدم الذي أحرزته وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان فهي مازالت مستمرة في إطلاق مبادرات ومشاريع طموحة للأخذ بيد القطاع ليسجل نقلة نوعية وأرقام قياسية جديدة، حيث أعلنت الوزارة أن قطاع الإسكان سيساهم بـ ١٥٧ مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي بحلول ٢٠٢٥م. وهذا يتطلب من الشركات العقارية بذل المزيد من الجهد لتحمل حجم المنافسة في السوق والأهم منه الحفاظ على مكانتها في الصدارة من خلال الاستثمار الحقيقي في علامتها التجارية وتخصيص ميزانية تسويقية متناسبة مع حجم استثماراتها ومواكبة طموح وزارة الإسكان في إيجاد حلول رقمية مبتكرة والاستثمار في التقنية لرفع معدل العرض وتطوير البنية التحتية التسويقية للقطاع.
فاليوم لم تعد القضية علاقات عامة أم تسويق بل أشمل من ذلك بكثير
بالأمس كان ضخ ميزانيات للتسويق الإلكتروني والحملات الإعلامية ترف، ولكن اليوم تعتبر استثمار مجدي وله عوائد مباشرة وغير مباشرة على القطاع. فقطاع التسويق العقاري في طور التحول الرقمي ووعي الشركات العقارية بالاستثمار فيه كان مقنن على المبيعات. لكن التركيز على المبيعات لا يكفي بل نحتاج إلى منظومة تسويق متكاملة.
لذلك، تجاوزت القيمة الإجمالية للتسويق العقاري للوحدات السكنية فقط في الولايات المتحدة ١٥.٧٥ مليار ريال، أي بما يقارب ٨.٢٪ من إجمالي حجم السوق العقاري، أما في السعودية مازال تخصيص ٢.٥٪ من العمولات للسماسرة والمبيعات كافي لدى الكثير من الشركات، وهذه النسبة مقارنة بإنفاق الشركات في الولايات المتحدة مثلاً يعتبر متواضع جداً.
فالشركات تعتمد على السماسرة والمكاتب العقارية لبيع الوحدات العقارية مما يرفع المخاطر لدى تلك الشركات فهي تعتمد على أفراد ليس نظم متقدمة مستدامة. فهؤلاء السماسرة في حال لم يدربوا باحترافية سينعكس سلباً على الشركة على المدى البعيد وستتشتت هويتها.
مع ضخامة العرض والبيانات باتت الشركات العقارية العالمية تستثمر بشكل كبير في تكنولوجيا العقارات وما يسمى بالـ “بروبتك” وهي خليط بين تكنولوجيا المعلومات واقتصاديات المنصات في أسواق العقارات، تتضمن بعض أهدافها الحد من الأعمال الورقية في المعاملات، وكذلك جعل المعاملات أسرع وأكثر فاعلية وأمانًا.
وحسب إحصائية نشرتها فوربس في مارس من هذا العام أن رأس مال قطاع تكنولوجيا العقار أو ما يسمى بالـ “بروبتك” في عام 2012l كان 221 مليون دولار، واليوم يقفز إلى رقم قياسي ليتجاوز الـ ٢٣.٧٥ مليار دولار، مما يساهم ذلك في تغيير خارطة طريق التسويق العقاري والحاجة لتطوير المحتوى والقنوات الإعلامية المستخدمة لتتلاءم مع هذا التحول التكنولوجي، لذلك تركز الشركات العقارية اليوم على ترويج منتجها من خلال تسويق الفيديو، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وتقنيات الـ 3D، والاستفادة من بيانات السوق، وظهرت دراسة أخرى تؤكد ذلك من الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين حيث أكدت أن 92 % من المشتريين يستخدمون الإنترنت لبدء البحث عن منزل، مما يدفع إلى ضرورة تعزيز التواجد الافتراضي وتعزيز التواجد في كافة منصات التواصل الاجتماعي. خاصة أن أعداد الشباب ذكوراً وإناثاُ تجاوز الـ 60% من التعداد السكاني وغالبية الفئة المستهدفة هي من تلك الفئة النشطة إلكترونياً.
ولعل أرشفة إنجازات الشركة على محركات البحث باتت مهمة لتوثيق إنجازات الشركات العقارية ودعم الاستثمار في العلامة التجارية والتي تعتبر أصل غير ملموس ذو قيمة عالية.
والجدير بالذكر أن دور الشركة الوطنية للإسكان في رفع الوعي لدى المطورين العقارين ملحوظ، حيث أطلقوا منصات تسويقية، واستثمروا في الأبحاث السوقية وتكنولوجيا العقار والتي جعلتهم يمتلكون قاعدة بيانات ضخمة للعملاء وفرت جهد كبير على المطورين العقاريين ورفعت عائدهم على الاستثمار. وهذه البداية لتنظيم قطاع التسويق العقاري ورفع مستوى جودة الخدمات المقدمة من شركات القطاع.
يكمن الحل في دمج ثقافة شركات التسويق العقاري مع شركات التسويق المختصة في التسويق الإلكتروني، وهندسة العلامة التجارية، وتحديث أبحاث السوق والعلاقات العامة، التي بدورها تضمن نجاح أكبر للحملات الرقمية والمبيعات وتبني علامة تجارية رصينة ترفع الثقة بالإضافة إلى قيمة أصول الشركة.
وفي ظل هذه المنافسة الكبيرة في السوق تحتاج الشركات للالتفات إلى تطوير استراتيجية العلاقات العامة، والتي بدورها ترفع فرص الشركات العقارية إلى تسجيل مستوى جديد في قيمة العلامة التجارية وذلك عبر تكثيف التواصل المجتمعي ورفع معدل الظهور الإعلامي، لأن ذلك يدعم التسويق الرقمي ويرفع مستوى الثقة والولاء لدى العملاء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال