الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يلاحظ المراقب، أن هناك عودة قوية لوتيرة صفقات الاندماج والاستحواذ، لأهداف متعددة اقتصادية للتخفيف من وتيرة المنافسة، خاصة من الشركات المحلية في مواجهة الشركات الأجنبية، وغيرها من الأسباب المختلفة كالتوسع، وحتى محاولة الحصول على بيانات العملاء. لا يخفى على الكثير، أن عمليات الاندماج والاستحواذ تعتبر من العمليات القانونية المعقدة. ويتجلى أحد جوانب التعقيد فيها، في التداخل بين نظام ما يسمى بالاندماج والاستحواذ مع القوانين المختلفة؛ كالضريبة، والملكية، والمنافسة، وأسواق المال، العمل، والشركات، وغيرها من القوانين، التي يجب مراعاتها خلال الصفقة، أو تحديدًا خلال العقد والمفاوضة في الصفقة. فمن أهم واجبات المحامي في صفقات الاندماج والاستحواذ، الحرص أن تبقى الصفقة بعيدة كل البعد عن أروقة المحاكم، ومحاولة عرقلتها، والذي قد تكون تكلفته عالية جدًا؛ لاسيما مع تقهقر مبدأ حرية التعاقد في بعض جوانب الاندماج والاستحواذ، والذي نرى مه التدخل المباشر من الأجهزة المعنية.
فآخر الجوانب القانونية والتي يجب على الشركات العاقدة الدخول في صفقة اندماج أو استحواذ مراعاته، يتعلق بقوانين الخصوصية. فتاريخيًا لم يكن جانب الخصوصية Privacy على مستوى صفقات الاندماج والاستحواذ، له تلك الأهمية؛ حيث لم يكن للبيانات القيمة المالية وحتى المعنوية، التي تجبر الأجهزة المرعية بمراعاتها. ولكن مع موجة الخصوصية وحماية البيانات خاصة خلال صفقات الاندماج والاستحواذ تقع تحت المجهر والرقابة مسببة الصداع. لهذا يجب على كل الشركات ومحامو كلا الشركتين (البائع والمشتري) وبالذات المستحوذة، مراعاته والتنبه لما قد ينتج عنه من مسؤولية والتزامات مستقبلية على الشركة المستحوذة.
فالكثير من الأسواق بالذات الأمريكية والأوربية، أصبحت تتوجس من عمليات الاندماج والاستحواذ إذا كان هناك معلومات وبيانات للمستهلكين، لهذا ترى الأجهزة المعنية تتوغل في مسألة الحماية لبيانات العملاء والمستهلكين، وحتى كيفية نقلها وتخزينها قبل الاستحواذ عليها أو حتى بعد انتهاء الصفقة. فعلى سبيل المثال، فقد يتم تحديد قدرة المستحوذ أو المشتري، في كيفية التصرف بتلك البيانات التي استحوذ عليها، وهل هناك حاجة إلى موافقة الأطراف في الحصول على تلك المعلومات والبيانات خاصة إذا كانت تنطوي على بيانات ومعلومات للأطفال.
ولا ننسى مسألة الأمن السيبراني، خاصة إذا كان السيرفر للشركة المستحوذ عليها متهالك أو ضعيف، أو وقوع هجمات مسبقة قبل الانتهاء من الصفقة والذي قد يعرض الشركة المستحوذة إلى الكثير من الخسارة المالية دون أن تعلن الشركة المستحوذة عليها ذلك. تجاهل تحري ذلك، والذي يتم غالبًا عبر الفحص النافي للجهالة؛ قد يعرض الشركة إلى الغرامة الفلكية كما حصل مثلاً مع قوقل؛ لمخالفتها القانون الفرنسي، فضلا عن تعطيل أو تأخير الصفقة، ولا ننسى الأثر السلبي على سمعة الشركة المستحوذة.
ومن هنا يأتي دور استيعاب المختصين بالاندماج والاستحواذ، لتلك المشكلة الجوهرية في الخصوصية وحماية البيانات، ليس فقط خلال مناقشة الصفقة؛ بل حتى عند الانتهاء منها ومعرفة متى يتم الاستعانة بالفنيين المختصين في ذلك المجال. بشكل عام، يمكن القول: إنه على الشركات المستحوذة، مراعاة الخطورة فيما يتعلق بجانبيِّ قوانين الخصوصية والأمن السيبراني من جهة أخرى. ففي الجانب الأول، عندما تتعرض الشركة المستحوذة، أو قد تكون عرضة أو ضحية لعملية تهديدات إلكترونية. والجانب الآخر عندما تكون الشركة المراد الاستحواذ عليها، متراخية في التزاماتها فيما يتعلق بعملية تخزين البيانات وما تتطلبه الأنظمة المرعية في قوانين الخصوصية؛ مما قد يعرض الشركة المستحوذة إلى التحقيق أو الغرامات المالية. فعلى سبيل المثال. في الجانب الأمريكي يمكن أن تتعرض الشركة المخالفة إلى المطالبة المدنية وحتى الدعاوى الجماعية.
ومع مراعاة ذلك، نأتي هنا إلى مسألة التقييم للشركة المراد الاستحواذ عليها وتقديره، وليس فقط على مستوى وقت الصفقة، بل حتى تضمين الحق للشركة المستحوذة في الرجوع والتعويض، كما حصل مثلاً بين شركة Verizon في صفقة اندماجها مع شركة الياهو. حيث تعرضت الأخيرة إلى هجمة كبيرة، واختراقًا كبيرًا لبيانات عملائها. فكانت الطريقة المثلى للشركة المستحوذة هنا، هو قيام فيريزون من دراسة ما يسمى الأثر السلبي على سمعة الياهو، والذي أعطى مؤشرًا لمجلس إدارة الشركة أنه مازال بالإمكان إتمام الصفقة. ولكن في نفس الوقت تفاوضت فيريزون مع الياهو لمنحها خصمًا في قيمة الصفقة بما يعادل المليار، في مقابل تنازل فيريزون عن حقها في الرجوع على شركة الياهو؛ لعدم إفصاحها عن ذلك الاختراق.
ومن هنا يأتي الدور على عاتق الفحوصات النافية للجهالة، فمن خلالها يستطيع المشتري من تقليل المخاطر التي قد يواجها المستحوذ مستقبلًا، والأهم هو عدم التعجل في ذلك. فللأسف معظم عمليات الفحص النافي للجهالة، تضع جل تركيزها على الجوانب الفنية والقانونية، وتتجاهل أهمية القرصنة والخصوصية. أو قد تجد العجلة من بعض مجالس الإدارات في انهاء الفحوصات في أسرع وقت؛ حتى تظهر أمام المساهمين بالمظهر الإيجابي أو قبل انتهاء السنة المالية.
والفحص مهم جدًا، حتى لو كان الهدف من عملية الشراء أو الاستحواذ، هو فقط الاستحواذ والوصول إلى البيانات دون أصول الشركة، بغض النظر من أن الشركة المستحوذ عليها في حالة إجراءات التصفية. كما حصل مؤخرًا في قضية أمريكية Toysmart؛ حيث أجبرت الجهاز المعني بحماية المنافسة وحماية المستهلك، بالتدخل المباشر وعدم بيع تلك البيانات كصفقة لوحدها، أو بيعها لشركة مماثلة. ولم تكتفِ بهذا القدر، بل على الشركة المستحوذة أخذ الموافقة من العملاء قبل استخدامها بطريقة مختلفة عما عليه مسبقًا.
فعلى الرغم من أن الممارسات العملية التي تنظم مسألة الخصوصية، وجمع البيانات، ونقلها، وتخزينها في معظم الدول العربية خلال صفقات الاندماج والاستحواذ؛ لم تنضج مقارنة بالجانب الأمريكي أو الجانب الأوربي في حماية الخصوصية، المتقدم أكثر من نظيره الأمريكي. ولم تختبر المحاكم السعودية في مسألة الخصوصية، وانتقال المعلومات، والبيانات، وحتى من الجانب الجنائي، وهل ستلحق المسؤولية بالشركة المستحوذة -المدنية والجنائية-بناء على أخطاء الشركة المستحوذ عليها، أم سيطبق ” ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وغيرها من الأسئلة الذي يجب على الشركات المستحوذة مراعاتها والتنبه لها.
وعلى المستوى السعودي, يجد المتابع أن هناك اهتمامًا متزايدًا بحماية العملاء وخصوصياتهم لا سيما بعد خصخصة بعض القطاعات الحيوية وفق رؤية ٢٠٣٠، والذي لا شك معه أنه سيظهر أهمية وقيمة تلك المعلومات، لا سيما مع ازدياد وتيرة الاندماج والاستحواذ، والذي سيوجب على محاميّ الاندماج والاستحواذ التوخي والحذر مما قد يظهر لهم لاحقًا، في حالة التراخي عن مراعاة قوانين الخصوصية، ومقدرة الشركة على حماية نفسها ضد أي قرصنة إلكترونية وعدم الاستعجال في غلق الصفقة استجابة لضغوطات مجالس الإدارات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال