الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن قراءة المستقبل بدقة تتطلب يد خفية وقوة مهيمنة على مجرى الأحداث، وهذا الأمر يصعب ليس فقط على متوسط الناس، لكن على الغالبية العظمى بلا ريب، لذا فبدل السقوط في مستنقع قراءة المستقبل، وتحمل نتائجه خصوصًا في عالم المال والاستثمار، فإن الأمر على سعة لتبني استراتيجية أكثر واقعية وأقل كلفة للجهد والمال.
تاريخيًّا نجد Keyns الاقتصادي المعروف قد وصل إلى نتيجة رائعة بعد تغيير استراتيجية إدارة صندوقه الاستثماري من استراتيجية قراءة المستقبل، والذي كان أداؤه فيها سيئًا إلى استراتيجية التعامل مع الواقع حيث أن 12% متوسط الأداء لديه يعتبر أداءً بارزًا في فترة وزمان بعد التغيير.
لقد كشفت جائحة كورونا واقع كفاءة القدرة على قراءة مستقبل ما بعد كورونا، وكيف سيكون الاقتصاد الجديد؟ وكيف ستتحرك وتتفاعل الأسواق المالية؟.
فقد طرحت سيناريوهات متعددة مثل v-u-w-k وإذا استخدمنا طريقة Sensitive Analysis سنجد إما أننا نصل إلى سيناريوهات غير محدودة، كما لو حصرنا الأعداد بين عددين، أو سنجد أنفسنا نستخدم data mining concept وتعني أنه في نهاية الأمر سيجد كل شخص شكل العالم الذي في مخيلته.
وفي نهاية المطاف ستبرز لدينا نواحي فكرية وفلسفية ترضي غرور الباحث، لكنها لن تحقق الهدف من فائدة قراءة المستقبل حيث أن الهدف هو اتخاذ قرارات مالية تحقق عوائد لأصحابها.
لم تكن تلك الحادثة فريدة من نوعها، فالإنسان بطبعة في صراع وشغف لمعرفة المستقبل وتفاصيله، لقد راهن البعض على عدم حصول Brexit وحدث. وراهن البعض الآخر على استبدال الذهب بالكربتو ولم يحدث بعد، وأخيرا وليس آخرًا ماتزال صناعة الطائرات والسيارات من الاستثمارات التي تنبأ البعض منذ زمن طويل بانخفاض كلفتيهما لكنهما بالمتوسط ما زلتا مخيبتان من ناحية العائد الاستثماري للكثير من المستثمرين بهما كما يذكره Terry Smith.
إن محاولة قراءة المستقبل من خلال متوسط الآراء، أو محاولة تسعير الأداة المالية، مثل: الأسهم من خلال متوسط آراء المحللين تبدو من جانب زاوية السلوك المالي، ذات نتائج مخيبة للآمال، حيث تميل نزعة متوسط بيوت التحليل والاستثمار لتمركز حول متوسط الآراء، والابتعاد عن تبني وجهات النظر ذات التطرف، وذلك كمنهجية دفاع استراتيجية لرفع اللوم، أو المسؤولية في حال ثبت العكس، وذلك ما يفسر اللهث لاحتضان مؤشرات الأداء من قبل مدراء الصناديق وإن كان على حساب كفاءة الأداء للصندوق وزيادة تكاليف رسوم البيع والشراء.
إن الوقوع في شرك حبال ملاحقة المؤشر، أو متوسط أداء الصناديق، قد تدفع إلى شراء أدوات قد تكون جيدة من ناحية الاداء المالي، لكن ذات أسعار فلكية مثل شراء مؤشر QQQ في فورة الدوت كوم، حيث جلس المؤشر حوالي خمسة عشر سنة بعد أن تهاوى، وحتى وصوله لمستوياته الأولى، أو أيضا شراء أسهم ذات جودة متدنية، لكن لها سيطرة وأثر على المؤشر العام، أو متوسط أداء الصناديق، حيث أن هدف الصندوق الخفي سيكون (حشره مع الناس عيد).
بوصلة الاتجاه
لابد في الاستراتيجية أن تتضمن في نواتها: تحديد هدف الاستثمار، وهو تحقيق عائد اقتصادي تراكمي جيد، ونقصد بكلمة جيد هنا، هي: أن كل وحدة قيمة عائد واحدة جاءت من معدل مخاطر أقل نسبيًّا من وحدة ذلك العائد، ويمكن قياس ذلك باستخدام ال Sharp Ratio. حيث يمكن تحقيق ذلك من الناحية النظرية، ولو كخارطة طريق وذلك باستخدام طرق ووسائل متعددة منها:
1- زرع الاستثمار بين متوسطات استثمارية قادرة على النمو المستمر والمجزي تاريخيا واقصد هنا الاسهم مقارنة بالسندات والذهب والنقد.
2- اتباع استراتيجيات شراء وبيع موحدة لها Matrixمحدد من الناحية الكيفية والكمية، وذلك بهدف رفع كفاءة الاستراتيجية مستقبلا من خلال التغذية الرجعية.
3- المحافظة على الأسهم لفترات طويلة، وذلك بهدف انعكاس القيمة الجوهرية للسهم واضمحلال المزايدات السعرية.
4- محاولة البحث عن شركات تعتبر أصولها الغير ملموسة مفتاح تميزها، حيث أن الشركات ذات الأصول الملموسة المركزة تعتبر جيدة في حال الاقتصاد الجيد، وسيئة في حال الاقتصاد السيء، ولأن الهدف من الاستثمار، هو:
حماية المستثمر عندما تسوء الاقتصادات فالأسهم ذات الاصول الغير ملموسة تكون أكثر مرونة من ناحية تكلفة الانتاج والربح الاجمالي نسبيا في حال تدهور الاقتصادات.
5- تجنب أسهم المضاربة والبيع على المكشوف، ومحاولة التوقيت، واستخدام الرافعة المالية العالية، لقد أرسل جون دكس وهو أحد كبار المستثمرين في وقته – وهو في الثالثة والتسعون من عمره- رسالة خطية إلى بنجامين جرهام سنة 1930م مفادها أنه:
(نما لعلمنا أنك تستخدم رافعة مالية عالية، وأنني لم أنم ليلتها حين سمعت ذلك الخبر لذا عند وصول رسالتنا هذه قم بالفور من التخلص من جميع الديون والقروض).
لكن بن جامين جرهام ذو الثلاثين عام لم يستجب لتلك النصيحة حتى اكتوى بنتيجة رفضة لها وبعدها قرر التخلص من الرافعة المالية والتي كانت تمثل 40% فقط من أصوله الاستثمارية.
6- تجنب الأسهم التي يعتمد أداؤها على مفاجأة منتجاتها، مثل: أسهم Biotch فهي في صراع وجودي دائم.
7- التركيز على الشركات ذات معدل الاستمرار والحياة المرتفع نسبيًّا مثل شركات المواد الاستهلاكية.
قد يبدو من الصعب اكتشاف الميزة التنافسية في باكورة نمو الشركة، لكن محاولة الاكتشاف ربما تكون أسهل نسبيًّا في الشركات ذات الامتداد التاريخي وذلك من خلال القوائم المالية.
واستخدام نسب مثل Gross Profit والتي قد تعكس في طياتها قدرة الشركة في تعاملها مع الموردين، وأيضا عدم تحقيق الشركة لخسائر متكررة لفترات طويلة.
ولضمان سلاسة الانتقال لتطبيق أي استراتيجية قد يتطلب الأمر سنوات عدة، وذلك حسب حالة السوق ووضعية الأسهم الحالية، إلا أن المرحلة الأصعب في التطبيق، هو تبني مؤشرات القياس المناسبة لتطبيق وتجميع الأسهم في محفظة واحدة وهذا بحد ذاته صناعة وذوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال