الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدأت حركة العملة الرقمية “المشفرة” في عام 2008 بتأسيس عملة البيتكوين (عمله مشفرة لا مركزية) من قبل شخص مجهول يعرف باسم ساتوشي ناكاموتو، والذي عرفته على أنه “نظام نقدي رقمي”. وتتميز البتكوين Bitcoin والعملات الرقمية الأخرى بحقيقة أنها تم إنشاؤها بشكل مستقل عن أي بنك أو حكومة، لأنها لا تتطلب بنكًا مركزيًا لإصدارها أو وسيط لإجراء المعاملات عليها، بل أنها تعتمد على تقنية سلسلة الكتل Blockchain Technology وهي عبارة عن سجل عام موزّع، تسمح بتسجيل البيانات ونقلها على الشبكة مستندةً إلى تقنية التشفير Cryptography
نظرًا لقدرة العملات الرقمية على تحدي البنوك المركزية باحتكار سلطة إنتاج الأموال، يرى البعض في هذه العملات ثورة في التمويل والاقتصاد والتكنولوجيا وكسب الكثير من الأموال، حيث إنه يوفر سرعة كبيرة في إتمام المعاملات بأقل تكلفة تحويل في بيئة رقمية آمنة ومشفرة مع إخفاء الهوية أو على الأقل باسم مستعار، على الرغم من قيامها بمعزلٍ عن أي مصرف ووسيط، فإنّها توفّر السرعة الفائقة في إتمام العمليات التي تُنجز مقابل رسم تحويل زهيد، في ظل بيئة رقمية آمنة ومشفّرة مزوّدة بخاصية المَجْهُولِيَّة أوعلى الأقل بشبه المجهولية.
وبالتالي فإن كل هذه العناصر والخصائص حولت العملات الافتراضية والمشفّرة إلى بيئة تحتوي على العديد من المشكلات والجرائم التي تتعلق بالعملات الرقمية، كما جعلتها أيضا وسيلة لارتكاب جرائمهم خصوصًا في النطاق الداخلي لمواقع التواصل الاجتماعي بعيدًا عن السلطات والحكومات. ولطالما كانت المصارف غير آمنه وسرية من قبل المجرم، نظرًا لسيادة القوانين والأنظمة التي تساعد على ترقب أي حركة مشبوهة ومتابعتها، والوصول إلى مصادرة الأموال غير المشروعة بأكملها. وبالتالي، يتوقع أن تعمل العملات الرقمية على إقامة دورًا محوريًا في عالم الجرائم المتعلقة بالفضاء الرقمي والأنترنت، حيت انتقلت إلى وسيلة الدفع الرئيسية في الأسواق المخفية في جوانب الإنترنت، وتعتبر هي الأسواق التي تمكن من عرض وتقديم السلع المحتكرة باختلاف أنواعها، وكذلك أيضا الخدمات غير المشروعة كالإتجار بالأشخاص والأسلحة والأعضاء البشرية. ولا تقف عند ذلك بل تمتد حتى تصل إلى تمويل المنظمات الإرهابية وغسيل الأموال ومختلف الجرائم التي تستطيع أن تدمر العالم والمجتمعات.
وقد تم التأكيد على أن زيادة استخدام العملات الرقمية “المشفرة” لتمويل الإرهاب والجريمة سوف يزداد وينتشر مع مرور الوقت وذلك لأن الاعتماد عليها بدأ يزيد بشكل عام. وتتمكن تكنولوجيا المعلومات من تقديم علاجات لهذه المشكلات والتي يمكن أن تتمثل في سهولة الوصول ما لم يستمر وضع اللوائح. حيث توفر الكثير من العملات المشفرة الشائعة مثل البتكوين Bitcoin العديد من المزايا من حيث إمكانية التتبع على العملات الورقية مما يتمكن من معرفة هوية المستخدمين، وتستطيع عملات أخرى أيضا مثل زكاش Zcash ومونيروMonero تتبع المستخدم بشكل كبير. وذلك يكون من أجل المساعده على مكافحة المشكلات والجرائم المتعلقة بالعملات الرقمية، وبالتالي يجب على الدول أن تعمل على تعزيز وتنظيم تلك العملات الرقمية وهي التي تستطيع أن تتيح لمجتمع الاستخبارات زيادة القدرة على تتبع تمويل الجرائم من أجل زيادة استخدامها والبحث بعناية في استخدام تلك العملات التي لا يمكن تتبعها.
مع بدء عصر الثورة الصناعية الرابعة القائمة على الثورة الرقمية، فقد أدت إلى ظهور تقنيات متقدمة للغاية وأحدثت تغييرات جوهرية على جميع المستويات، لا سيما أسواق الأعمال والاقتصاد والعملات العالمية، والتي نجحت أيضًا في توفير العلاج لجميع المشاكل المتعلقة بالعملة الرقمية والجرائم ذات الصلة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وإنترنت الأشياء Internet of Things والحوسبة الكمية Quantum Computing والبيانات الضخمة Big Data على غرار البيانات الشخصية Personal Data والعملات الرقميةCryptocurrency . وسرعان ما حول المجرمون الإلكترونيون هذا الفضاء المتفائل إلى فضاء متشائم، لأن هذه التقنيات مجتمعة ومتقابلة في مجال الجريمة الرقمية، وأصبحت إحداها أداة إجرامية لتعزيز السلوك الإجرامي. وربما تكون البيانات الشخصية والعملات الافتراضية هي الحزم الأنسب للمجرمين. على سبيل المثال، ينتهكون الخصوصية للحصول على البيانات الشخصية، والتي تُستخدم بعد ذلك للمساعدة في سرقة العملة الافتراضية، أو أجهزة إنترنت الأشياء المستعبدة لابتزاز الضحايا والتهديد بالتسريب.
لذلك، أدت التطورات والابتكارات التكنولوجية التي شهدها العالم مؤخرًا إلى تغييرات جوهرية. على الرغم من أن التقلبات العنيفة للعملة في قيمتها قد تسببت في مخاوف عالمية، إلا أن هناك أيضًا العديد من المخاطر المرتبطة بها، وبسبب اللامركزية والسيولة، فقد بدأت تدريجيًا في كسب ثقة بعض المتداولين على الإنترنت. بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة بسهولة ويسر من الخدمات المالية ذات الصلة من خلال منصات التداول عبر الإنترنت، وهذا أيضًا سبب قبول بعض المؤسسات حول العالم لها كوسيلة للتداول.
وبالتالي فإن تكنولوجيا المعلومات والتقدم الذي يحدث في العالم بشكل يومي يكون له دور كبير في القدرة على التصدي للصعوبات والمشكلات التي تواجهه المجتمعات في كافة المجالات، وبالأخص تم الاستفادة منها فيما يتعلق بالعملات الرقمية واستخداماتها والتي قد يسوء البعض التعامل معها مما يؤدي إلى إحداث الصعوبات والمشكلات التي قد تصل إلى حد الجرائم، فقد مكنت هذه التكنولوجيا الجهات والهيئات المسؤولة من أمكانية التعامل مع هذه الصعوبات وتقديم العلاج المناسب واللازم لها.
هناك تحدٍ في مكافحة الاستخدام الإجرامي والإرهابي غير المشروع للعملات الرقمية وهو أنه على الرغم من المزايا التي يمكن تتبعها من البتكوين Bitcoin والعملات الرقمية في البروتوكول المماثلة، إلا أن هناك نقصًا حاليًا في التدريب وتطوير القدرة البشرية لغالبية أجهزة إنفاذ القانون على كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا، وإجراءات للتكيف مع عالم العملات الرقمية. تبذل برامج مكافحة الجرائم حول العالم جهودًا بالفعل لتنظيم عمليات التبادل التي يتم فيها شراء وبيع العملات الرقمية وتتطلب اللوائح من المستخدمين التحقق من هوياتهم وتطلب من البورصات الإبلاغ عنها في حالة المعاملات المشبوهة. فكلما أصبحت العملة الرقمية أكثر نجاحًا، زاد عدد المستخدمين العاديين الذين يطلبونها تحت لوائح النظام المالي التقليدية. ويجب أن تستمر وحدات إنفاذ القانون والاستخبارات في تحويل الموارد لتعليم المزيد من الأشخاص حول تتبع الجرائم الإلكترونية. كما ينبغي للسلطات والجهات المسؤولة أن تستمر في ضمان فهمها وإدراكها لحجم المخاطر الموجودة مع الانتهاكات المحتملة لهذه التكنولوجيا. وبالتالي يجب أن تكون الحكومات مستعدة لتعطيل عمليات نشر العملة الرقمية الجديدة من خلال هجمات الكترونية معينة. يمكن للمهاجمين الأكثر تطورًا استغلال الثغرات الأمنية في البنية التحتية للعملات الرقمية، فلابد من وجود من يبحث في الحلول التي تساعد على التخلص من المشكلات والجرائم الناتجة عن سوء استخدام العملات الرقمية وعلاجها.
نظراً لظهور التقنيات المتقدمة والمتطورة والتي أدت إلى جعل العالم يسير إلى النطاق العلوي والنظام الرقمي، فقد تمكنت واستطاعت العملات الرقمية في الارتداد من المجال الافتراضي البحت إلى العالم الواقعي، حيث عملت على تشكيل جانب من الانقلاب والتحول في النظام النقدي والاقتصادي العالمي.
أخيرا، يوجد هناك عقبات وقضايا تواجه عملية سير هذه العملات، حيث كانت الجرائم والمشكلات التي تتعلق بالعملات الرقمية لها سبّاقًا في إيجاد ما يمكن استغلاله في المناف الإجرامية بعيدًا عن الجهات والهيئات المسؤولة عن إنفاذ القانون والقضاء، وهذا ما جعل الحكومات تسعى لمعرفة مشكلات العملات الرقمية والجرائم المتعلقة بها ودور التكنولوجيا في علاجها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال