الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعد العون الإنمائي العربي وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020م مصدراً هاماً من مصادر المساعدات الإنمائية الدولية، وأحد أهم عناصر التعاون لدعم التنمية التي تقدمها الدول العربية المانحة للعون على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتعمل مجموعة التنسيق للمؤسسات العربية المانحة من خلال مسارين هما المؤسسات متعددة الأطراف الدولية والإقليمية وهي البنك الإسلامي للتنمية، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفریقیا، وبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند)، وصندوق النقد العربي، والمسار الثاني من خلال الصناديق الثنائية وهي الصندوق السعودي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وصندوق أبو ظبي للتنمية، وصندوق قطر للتنمية. وقد بلغ إجمالي التزامات العمليات التمويلية لمؤسسات مجموعة التنسيق في عام 2019م حوالي 12.9 مليار دولار، فيما يبلغ المجموع التراكمي لالتزامات العمليات التمويلية لمؤسسات المجموعة إلى نهاية عام 2019م حوالي 231 مليار دولار. وتشمل المساعدات العربية الإنمائية معظم الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتعطي أهمية خاصة لتمويل مشاريع التنمية في الدول العربية من أجل دعم المنظومة الاقتصادية العربية. وقد اكتسبت الدول العربية المانحة، خلال حوالي نصف قرن خبرة كيرة في هذا المجال، وأقامت شبكة من علاقات التعاون والتنسيق مع الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية المانحة تمكنت فيها مختلف الأطراف من تحسين فاعلية المساعدات الإنمائية التي تقدمها حسب تحليلات التقرير.
مؤخرا بدأت بعض الانتقادات الموجهة نحو العون العربي من أطراف خارج المنظومة العربية وتطرح تساؤلات حول مدى تأثير العون العربي على النمو الاقتصادي على المدى الطويل في دول أفريقيا جنوب الصحراء؟ وهل تدفقات العون العربي تشجع دول أفريقيا جنوب الصحراء في عدم اعتماد الإصلاحات؟ وقد قمت بالمشاركة في الاعداد لدراسة من قبل البرفسور بي. أوتارا الذي كان وقتها استاذ في جامعة مانشستر، المملكة المتحدة وذلك في مارس 2015م ناقش فيها التساؤلات المشار اليها بخصوص العون العربي. وكانت التحليلات تبين أن المساعدات العربية لا تتضمن في مناقشاتها عند إقراض الدول وَضعَ اشتراطات على عكس الجهات المانحة الغربية، فالديمقراطية والحكم الرشيد ليست جزءا من خطاب المساعدات العربية “، فالمانحين العرب ملتزمين دائما بمبدأ عدم التدخل في سياسات البلدان المتلقية”. وتنص صراحة بعض توجهات الصناديق العربية على أن ” المساعدات العربية تعطى لمساعدة مجموعة البلدان النامية لوضع سياسات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمحض إرادتهم خارج الضغوط السياسية والاقتصادية”.
وباستعراض ادبيات اقتصاديات التنمية، فقد قامت بمناقشة فاعلية المساعدات بشكل عام، حيث لم يتمكن الجيل الأول والثاني من دراسات التنمية في تأكيد وجود تأثير إيجابي أو هام في المساعدات على النمو الاقتصادي، أما دراسات الجيل الثالث بدءاً من عام 1990م وحتى الآن فد ظهرت عدة نتائج في هذا المسار. فهناك دراسات قامت بتحليل العلاقة بين المساعدات والنمو الاقتصادي ومن أبرز نتائج تلك الدراسات أن بعضها بين انه يتم استهلاك كل المساعدات دون استخدامها في تقوية البنية التحتية. ونتائج أخرى بينت أن المساعدات تؤدي دورا فاعلا فقط في بيئة سياسية جيدة. كما ان هناك دراسات أوضحت أن المساعدات تعمل بفاعلية بغض النظر عن بيئة السياسات، ولكن وفقا لعلاقة غير خطية بين النمو الاقتصادي والمساعدات التنموية. فيما كانت هناك دراسة شارك فيها البروفيسور بي. أوتارا توصلت الى أن المساعدات تكون فعالة بناءً على طبيعة تلك المساعدات.
ومن الأهمية عند تحليل ومناقشة العون العربي الإشارة الى جانب مميز يتم اخذه في الاعتبار عند مقارنة المساعدات المقدمة من المجموعة العربية بتلك المقدمة من دول الـDAC الأخرى (وهي الدول العضو في لجنة المساعدات التنموية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD ) وذلك ان العون العربي يتميز بـتقديم نوع مختلف من المساعدات، و تركيزه على عدد قليل من الدول، والاتجاه لتمويل المشاريع ذات القدرة على تحفيز النمو الاقتصادي، ولا يتطلب تقديم العون شروطاً أو إصلاحات سياسة.
عمليا تم جمع بيانات لـ 38 دولةً بأفريقيا جنوب الصحراء (مصدرها قاعدة بيانات OECD-DAC، مؤشرات التنمية العالمية والجهات المانحة العربية مصادر مختلفة) للفترة 1980-2010م وكانت الفرضيات التي يتم الإجابة عليها من بحث تأثير المعونة الحقيقية للفرد الواحد على النمو في الدول الافريقية. والفرضية الثانية حول تأثير المعونة الحقيقية للفرد الواحد على الديمقراطية (FH CL index) وكذلك تأثير المعونة الحقيقية للفرد الواحد في الانفتاح (الانفتاح التجاري). وقد تبين التأثير العام للعون العربي على النمو الاقتصادي بموجب تحليلات الاقتصاد القياسي، بتحليل أثر المعونة على اقتصاد كل دولة من دول افريقيا جنوب الصحراء وقد وجدنا أن هناك أثرا إيجابيا للمعونة على النمو الاقتصادي في 33 دولة، منها 17 دولة كان التأثير معنويا بموجب الدلالة الإحصائية بينما لم نجد أن المعونة تمارس تأثير على النمو في الدول الخمس الأخرى او انها ذات تأثير سلبي. أما التساؤل الثاني الذي عملت الدراسة على الإجابة عليه، هل المساعدات العربية لا تشجع الإصلاحات السياسية؟ فقد بينت نتائج التقديرات الاقتصادية أن معامل المساعدات فيما يتعلق بالديمقراطية غير معنوي أي ان العون العربي لا يؤثر على مستوى الديمقراطية في الدول وبالتالي لا دليل على تعزيز المساعدات نهج الدكتاتورية في تلك الدول. أما التساؤل بخصوص أن المساعدات العربية لا تشجع الإصلاحات التجارية، فإن نتائج بيانات الدول كاملة أظهرت ان العون العربي لا يعزز ولا يدعم التوجهات نحو الاقتصاد المغلق او التركز التجاري. وتشير الدلائل عموما إلى أن العون العربي يعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل في دول أفريقيا جنوب الصحراء. بالإضافة الى أنه ليس هناك أدلة تشير على أن المساعدات من المانحين العرب مثبطة للإصلاحات السياسية والاقتصادية في دول افريقيا جنوب الصحراء.
ومن جهة أخرى توصى الدراسة المشار اليها أنه يمكن لدول افريقيا جنوب الصحراء أن تستمر في طلب المساعدات من المانحين العرب، وقد يكون من المفيد أيضا أن يعالج العون العربي مسألة انخفاض المساعدات وعدم القدرة على التنبؤ بها لزيادة فعاليتها، وتوصى الدراسة أيضا للجهات المانحة الأخرى أهمية الاستفادة من تجربة العون العربي من خلال التركيز على مشاريع محددة بدلا من وجود محفظة كبيرة من المشاريع التي يمكن أن تساعد في معالجة مشكلة انتشار المساعدات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال