الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل البدء بالحديث والدخول في صلب موضوع مقالي لهذا اليوم، دعوني أشارككم قصة قصيرة ذات أبعاد مهمة.
خلال تواجد أحد الأصدقاء في مجلس من مجالس معارفه الخاصة، بصحبة مجموعة من أصدقائه وبعض المعارف الاخرون، تفاجأ بسؤال جليسة، والذي لم يكن بمعرفة جيدة به، عن نوع ساعته الذي يرتديها، لم يتردد صديقي كثيرا بمشاركة مجالسة، وأخبره بنوع الساعة الذي يرتديها، وكذلك قيمتها عندما قام بشرائها قبل عشرون عاما تقريبا.
هنا قام مجالسه بسؤاله، اي سؤال صديقي ، بأن كان يعلم كم تبلغ قيمة الساعة الان؟ أجاب صديقي بكلمة “لا” ، وهو بالفعل لم يكن يعلم.
استأذن الجليس صديقي لبضعة دقائق لإجراء بعض الاتصالات بخصوص نوع الساعة وقيمتها السوقية اليوم.
عاد الجليس بعد مرور ما يقارب العشرة دقائق، ليخبر صديقي بأن قيمة ساعته السوقية الآن تعادل خمسة أضعاف قيمتها الأصلية، عندما اشتراها منذ عشرون عاما.
تفاجأ صديقي بالسعر! سأله الجليس، هل لك نية ببيعها؟ اجابه صديقي بكلمة ” لا” ، لكن بهذا السعر فهي لك.
استأذن الجليس صديقي والحاضرين بعد أن سلم عليهم وترك المجلس، هذا على أن يقوم بالاتصال بصديقي في اليوم التالي.
أما صديقي فبدا بالدخول في حالة من التفكير العميق بما سوف يفعله بالمبلغ الذي سوف يحصل عليه جراء بيعه للساعة إذا ما تمت البيعة.
تدريجيا، انتقل صديقي من مرحلة التفكير العميق إلى مرحلة التخيل أو ما يسمى أحلام اليقظة.
فكر بشراء سيارة أخرى جديدة، تخيل شكل مزرعته بعد تحسينها بالمبلغ الذي سيحصل عليه جراء بيعه للساعة، حلم بشراء شقة جميلة خارج مدينة لندن، وغيره من الأشياء الجميلة التي من الممكن اقتناءها جراء بيعه للساعة.
بعد مرور خمسة أيام على اختفاء جليسة، تفاجأ صديقي بمكالمة منه، يخبره بها عن أسفه الشديد على تأخره بمكالمته، و كذلك اعتذاره عن السعر الذي ذكره له سابقا عندما التقاه للمرة الاولى، وبان السعر السوقي الحقيقي للساعة أقل بنسبة ٣٠% عن السعر الذي ذكره له في المرة الأولى.
يقول صديقي لم أكن بحاجة الأموال لتحقيق بعض الأحلام التي تحتمل التأخير، لكنه حسب قوله شعر بشيء من خيبة الأمل. خطط، تخيل، وحلم، وفي النهاية لم يكن هناك صفقة حقيقية تحقق له اي من أحلامه.
قصة صديقي تعود بنا الى صلب موضوع هذا المقال، حيث أن قصته تتكرر كل يوم أمام عيني في مواقع البيع الإلكترونية المعروفة مثل المواقع العقارية، السيارات، السلع الفخمة، بل حتى المواشي والحيوانات.
قبل المواقع الإلكترونية، كانت القصص التي تشبه قصة صديقي هذا تحدث في الأسواق الحقيقية كما كنا نعرفها سابقا، والتي مازال بعضها قائما.
حيث يقوم كثير من السماسرة او كما يحلو لنا تسميتهم ” الشريطية” ببيع الوهم لكل صاحب سلعة، سواء كانت معروضة للبيع او مطلوبة للشراء، من خلال عرض مبالغ غير معقولة على البائع أو مبالغ منخفضة جدا للباحث عن السلعة. هذه الوعود الغير حقيقية هي مجرد فخ للبائع و المشتري على حد سواء ، فقط ليتفاجأ بنهاية المطاف بأن هذه العروض الغير حقيقية هي مجرد وهم أو مصيدة تصطاد بها الفريسة.
لذلك، و من هذا المنبر المهم، ادعوا المسؤولين في وزارة التجارة الى القيام بمنح “رخص تداول” خاصة بالسماسرة، بشروط محددة، تخولهم إلى الدخول في عمليات تداول السلع المختلفة، كسماسرة محترفين و معروفين رسميا، تضبطهم قواعد السوق اضافة الى العرض والطلب.
السمسار الذي يملك رخصة تداول صادرة من وزارة التجارة، هو فقط من يمكنه المضاربة على السلع، والقيام بتدوير الأصول بشكل سريع و مستمر، و بصورة علنية وواضحة للجميع، تتيح للمتعاملين في الأسواق معرفته عند التعامل معه كسمسار معرف دون مواربة.
اما المستثمر الحقيقي، أو المشتري النهائي من الافراد، و الذي ينوي الاحتفاظ بالسلعة لفترة زمنية متوسطة إلى طويلة الاجل، فسيتمكن من الشراء و البيع دون حاجة إلى رخصة تداول.
مقابل ذلك الإعفاء المقدم للأفراد من الرخصة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لن يسمح للمستثمر او المستخدم النهائي (الفرد) من القيام بإعادة بيع سيارة قد قام بشرائها، إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على الأقل من وقت شرائه للسيارة، وكذلك لن يتمكن من اعادة بيع عقار استحوذ عليه مؤخرا، الا بعد مرور عام كامل على امتلاكه للعقار. حيث أنه من المفترض بأن إعادة تدوير السلعة ليست من ضمن أهدافه التي كان يسعى إليها عندما أقدم على تنفيذ الصفقة.
الأهداف المرجوة من اصدار “رخصة التداول” تكمن في عدة نقاط، لا تقل أهمية عن بعضها البعض، و هي كالتالي:
الهدف الاول، هو أن يكون هناك تقنين للمضاربات التي كثيرا ما تكون غير واقعية، بل وفي احيانا فاقدة للمصداقية. يتم ذلك من خلال تعريف عامة المتعاملين في الأسواق بالسماسرة المعتمدين من وزارة التجارة.
الهدف الثاني، هو خلق سوق موازية خاصة بالمستثمرين الحقيقيين من الأفراد والمستفيدين النهائيين من السلع، بعيدا عن سوق المضاربات السريعة، والتي لا طالما جرى التحكم بها من قبل المضاربين. الأسواق الموازية هي أسواق يشكلها الأفراد الذين يرغبون في الاحتفاظ بالسلع المتداولة لفترات متوسطة إلى طويلة الأمد.
الهدف الثالث، الحفاظ على قيمة السلعة بعيدا عن تأثير العرض والطلب اللحظي. كذلك، الاستفادة من توفير نسبة السمسار، وبقاء تكلفة تلك النسبة في قيمة السلعة نفسها، لصالح كل من البائع والمشتري.
الهدف الرابع، تحفيز القيم السوقية الحقيقية للسلع من خلال خلق بيئة سوقية متنوعة. سوق قادرة على التمييز بين المضارب الذي يسعى إلى أكبر قدر من عمليات التدوير لنفس السلعة احيانا، وهو من خلال ذلك يؤمن للسوق السيولة المطلوبة ، و سوق أخرى موازية تحظى باهتمام المستثمر الذي يبحث عن المكسب المادي على المدى المتوسط و البعيد، ومستعد للدخول في الصفقة بالقيمة العادلة للسلعة، بعيدا عن المكسب اللحظي.
الهدف الخامس، حفظ جميع حقوق المتداولين ومساعدتهم على تحقيق اهدافهم، سواء كانوا مضاربين، مستفيدين نهائيين، او مستثمرين، من خلال خلق بيئة سوقية أكثر وضوحا وشفافية لجميع الأطراف المتعاملة في الاسواق، وإلزام جميع المتعاملين في الأسواق بالصفقات المتفق عليها اتفاقا مبدئيا، شريطة استيفاءها للشروط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال