الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
%2.9 هو متوسط معدل التضخم في السعودية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. فإذا كنت تتقاضى معاشاَ تقاعدياً بمقدار 1983 ريالاً في عام 2006 (وهو الحد الأدنى للمعاش)، فهذا يعني أن القيمة الفعلية لهذا المعاش تساوي 1249 ريالاً اليوم. يحدث ذلك بسبب (تناقص) القدرة الشرائية للريال السعودي بحسب مؤشر أسعار المستهلك (CPI) خلال تلك السنوات نتيجة التضخم.
تعمل مؤسسات التقاعد حول العالم من أجل تحقيق هدف واحد، هو ضمان مصدر دخل (آمن) للعامل بعد بلوغه سن التقاعد. وفي المملكة العربية السعودية، تعمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية كسائر الصناديق التأمينية المشابهة إلى تحقيق ذات الهدف، وهو حق تكفله الدولة بصرف النظر عما يترتب على صندوق المؤسسة من نجاح أو فشل في استغلال موارده المالية. وصندوق المؤسسة كما هو معلوم، صندوق اجتماعي تعاوني يدعمه جميع المشتركين من أجل المصلحة النهائية للجميع، وبذلك يختلف عن بعض صناديق التقاعد الأخرى التي تسلك حسابات مختلفة في هذا المجال، وإن كانت (تؤمن بالفعل) مصادر دخل تقاعدية.
غير أن التغيرات التي تطرأ عامةً على الوضع الاقتصادي من حيث نمو متوسط الأجور ونمو معدلات الأسعار، علاوةً إلى تدني القيمة الشرائية للريال السعودي مع مرور الوقت وهو ما يُعرَف بـــ (التضخم)، هذه التغيرات لا ترتبط بأية حسابات تجاه المعاش التقاعدي المحتسب عند بداية إحالة الموظف للتقاعد. وعادةً ما يطرح التساؤل حول عدم رفع نسبة المعاش التقاعدي وفقاً للظروف المواتية. وقد سبق للجنة الاقتصادية بمجلس الشورى تقديم توصيتها للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بضرورة دراسة ربط المعاش التقاعدي بمعدلات التضخم.
في واقع الأمر، هذه قضية عالمية تواجه صناديق التقاعد، وتعود أسباب عدم مرونة التعديلات على الأنظمة المحاسبية تجاه (رفع أو خفض) المعاش التقاعدي إلى أسُس توحيد المعاشات التقاعدية تِبعاً لعدد سنوات الخدمة ومتوسط الأجور. وهو سبب مُعتبَر من وجهة النظر المحاسبية لأي صندوق تقاعدي (تكافلي) كما هو حال صندوق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
بالمقارنة، توجد صناديق تقاعدية (عربية) تعتمد على مرونة واسعة في ربط معاشات المتقاعدين بمعدلات التضخم وارتفاع متوسط الأجور، كنموذج الضمان الاجتماعي التقاعدي في مملكة الأردن. تقتضي هذه المرونة تعديل الراتب التقاعدي للمواطن بوتيرة شهرية تِبعاً لظروف وأحوال السوق، بالرغم أن استقطاعات العمال أثناء مسيرتهم العملية لا تختلف عن المعمول به في المملكة العربية السعودية.
النموذج الأردني للمعاشات، يتحمل فيه صندوق الضمان الاجتماعي الزيادات الشهرية المحتسبة (كمساعدة) للمتقاعد على تحمل الأعباء المعيشية المتزايدة في ظل ثبات معاشه التقاعدي. هذا النموذج هو نموذج (إعانة) أو مخصص شهري وقد تختلف تسميته من دولة لأخرى.
إلى ماذا يهدف ربط المعاش التقاعدي بنسبة التضخم؟
الهدف الرئيسي هو (إبقاء) القوة الشرائية للنقود (المعاش) على نفس القيمة المتداولة لكمية النقود المماثلة بعد التضخم. بعبارة أخرى، (تعويض) المتقاعد عن الخلل الخارج عن إرادته والمتمثل في التضخم المؤدي إلى نقص القيمة النقدية للمعاش التقاعدي. لا ينتفع المتقاعد وحده بطبيعة الحال من هذه الزيادة، بل تمتد آثارها إلى الاقتصاد بعامة، من حيث تُنفق هذه الأموال في المشتريات والادخار أو أوجه الإنفاق الأخرى.
لذلك، فإن مقترح (مراجعة) المعاشات التقاعدية بوتيرة شهرية تِبعاً لمعدل التضخم على غرار (مراجعة) أسعار الوقود تِبعاً للأسعار العالمية، هو مقترح ذو جدوى اقتصادية نافعة.
لكن بكل تأكيد سيكون هناك تكاليف إضافية على صندوق المؤسسة، فإذا كان صندوق التأمينات يصرف معاشات شهرية بقيمة مليار ريال، وكان معدل التضخم قد زاد بنسبة %2 في الشهر السابق مثلاً، فعلى الصندوق أن يتحمل إضافة عشرون مليوناً كتعويضات تُصرف للمتقاعدين.
وبطبيعة الحال سيتأثر صندوق المؤسسة بهذا الإجراء، لكن بالإمكان سد هذا العجز (إذا جاز تسميته كذلك)، من خلال تخصيص جزء من إيراداتها أو عوائدها الاستثمارية، أو ابتكار منتجات جديدة لتحل محل هذا الفارق.
يظل الهدف الرئيسي من تعويض المتقاعد نتيجة التضخم وهو سبب خارج عن الإرادة، مراجعة وتصحيح معاشه وإبقائه على قيمته الحقيقية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال