الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بداية أعتذر عن ثقل وكآبة موضوع مقالنا اليوم رغم أهميته. ولكن سنعمل سويا على الإستفادة القصوى من الإطروحات والتداولات.
يظن الكثير من رواد الأعمال بأنه بحاجة إلى استراتيجية لمشروعه ورأيت وناقشت العديد من الاستراتيجيين في هذا الموضوع وذهلت بأن الغالبية العظمى ترجح كفة إيجاد استراتيجية لمشاريع رواد الاعمال. وهذا للأسف خطأ كبير يقع فيه الكثير. ريادة الأعمال لا تحتاج إلى استراتيجية وإنما تحتاج الى أدوات عمل وتنفيذ وإرشاد وخبرات. الاستراتيجيات تُنبى إساسا على كيانات قائمة تريد أن تتحول من وضع قائم إلى وضع جديد في المستقبل بإعتبار أن المتغيرات البيئية تتطلب إحداث تغييرات في الكيان لتتواءم وهذه المتغيرات البيئية التي فرضت نفسها على السوق أو المجتمع أو العالم.
ولهذا تسعى الكيانات سواء كانت دولا إوشركات أومنظمات الى إستخدام هذه الاستراتيجيات للإنتقال من موقع الزمن الحالي إلى موقع الزمن المستقبلي. وكون هذه الاستراتيجيات تحتاج إلى أدوات ومنهجيات عويصة فقد نشأت مكاتب إستشارية متخصصة للقيام بهذه المهام لتُنتج كراسات تتحدث عن استراتيجية الكيان ولكنها بشكل عام تكون غير قابلة للتنفيذ أو صعبة أو أن تنفيذها يتطلب الشيء الكثير والتكاليف الباهضة. وللاسف إطلعت على العديد من هذه الاستراتيجيات لأجد فيها نمطية واحدة وهي المثالية العالية والإبتعاد عن الواقعية والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى فشل التنفيذ.
إذن ماهو الحل؟
لنتفق بأن الاستراتيجية في وقتنا الحالي لا يمكن أن تتعدى العام الواحد لأن المتغيرات كثيرة وسريعة ولا يمكن مواكبتها اذا وضعنا استراتيجية لأكثر من عام. شخصيا أفضل الاستراتيجية المبنية على ستة أشهر كحد اقصى.
ويبقى السؤال كيف ستكون التكلفة في هذه الحالة؟
التكلفة لبناء استراتيجية كل ٦ أشهر عالية جدا بإستخدام المنهجيات المعمول بها حاليا في عالم الاستراتيجيات. ومن غير المجدي بناؤها لأنها تتطلب وقت وموارد عالية. إضافة الى تكلفة تنفيذها.
نرجع لسؤالنا الأول: ماهو الحل؟
الحل أن تكون هناك منهجية سريعة ومرنة وقابلة للتنفيذ لوضع استراتيجيات في وقت محدود وبتكاليف متدنية. هذا جميل ولكن ماذا عن التنفيذ؟ هل سيكون بنفس السرعة والمرونة؟ يمكن أن يتحقق ذلك على أساس أننا نتعامل مع قيم وخصائص كيان معروف لدينا ونريد نقله من وضعه الحالي إلى وضع مستقبلي.
أصبح الكل يفتي ويعرف أن الاستراتيجية رؤية ورسالة وأهداف وقيم. هذا صحيح ولكنها من أين تأتي هذه المكونات؟ يعتقد الغالبية بأنها توصيف للكيان المؤسسي بما يروق لنا من خصائص أو لنقل أحلام! ولكن واقع الأمر انها بعيدة كل البعد عن ذلك ولهذا نجد فشل الكثير من الاستراتيجيات لأنه لا يمكن تنفيذها أو ان تنفيذها غير مجدٍ بل ومكلف.
ولهذا وضعتُ منظومة لبناء الاستراتيجيات بشكل حيوي وطبيعي ومن قلب عمل المنظمة أو الكيان وهذه المنظومة أطلقت عليها “الثالوث العظيم“. ورغم بساطتها إلا إنها عميقة وتمس المنظمة بشكل تفصيلي وتساعد على الإنتقال السريع من وضع حالي الى وضع مستقبلي. والبساطة عنصر مهم فيها لتحقيق السرعة في البناء والتنفيذ.
كما أن لها ميزة بناء عناصر الاستراتيجية بشكل سريع وآني. على سبيل المثال لو سألت أي منظمة عن استراتيجيتها: كيف وصلت إلى القيم في الاستراتيجية ؟ لأيقنت إنها أحلام أو لنقل تصورات يريدون المنظمة والعاملين فيها أن يتصفوا بها رغم أنها قد تكون غير موجودة وبالتالي سيكون تحقيقها شبه مستحيل أو مكلف جداَ.
ولعلي هنا أقف عند نقطة مهمة لم تُخدم في تعليمنا وثقافتنا بشكل كبير وهي تعريف القيم (values ). نجد أن هناك خلط كبير بين القيمة المادية أو النقدية (cost)، والقيمة المعنوية أو السلوكية أو الأخلاقية (value). رغم أنها مُعرفة مجتمعيا في كثير من لغات العالم إلا أن المجتمع العربي لم يُعطها حقها في التعريف والتفريق. فإختلطت القيم بالتكاليف وتحولت القيم السلوكية الى قيم مادية. وهذه تحتاج إلى وقفة وتأمل عميقتين لإعطاء كل مفردة حقها في اللفظ والمعنى والمقصد. وهذا يفتح مجال أوسع للوقوف والتعرف على هذه الظاهرة اللغوية. فمثلاََ نجد أن الإنسان العليل (الذي يعاني من علة أو مرض) في مجتمعاتنا العربية نسميه مريض وهذه كلمة سلبية جداََ ولا تساعد على دعم هذا العليل نفسياََ وروحياََ، بينما يُطلق عليه في المجتمعات الغربية بالصبور (patient) وهي صفة جميلة وذات مدلول إيجابي وهو الصبر.
في المقالات القادمة سنستعرض عناصر منهجية الثالوث العظيم وتعريفاتها و محتويات كل عنصر فيها لتكون واضحة وميسرة. ومن ثم سنشرح المنظومة بشكل تكاملي وكيف يمكن لنا من بناء الاستراتيجيات وتحديثها بشكل سريع.
وأُشدد مرة أخرى على أن رواد الأعمال لا يحتاجون إلى استراتيجيات في بداية مشوارهم العملي ولكن يمكن الإستدلال بعناصر الاستراتيجية للإستفادة منها في بناء الثقافة المؤسسية التي في حال نجاح الكيان سيحتاج إلى استراتيجية لنقله من وضعه الحالي إلى وضعه المستقبلي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال