الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تكلمنا في المقال السابق عن ريادة الأعمال والاستراتيجية. وكذلك عن الاستراتيجية والتعقيدات المناطة بها في دورة حياة الكيان أو المنظمة. وعرفنا أن المنهجية الحالية للاستراتيجية غير عملية ومكلفة ولا تتماشى مع روح العصر المتسم بالسرعة والرشاقة. ولهذا أطلقت منهجية الثالوث العظيم لبناء الاستراتيجيات والتي سنتناولها في المقالات القادمة لشرحها وشرح عناصرها وكيف لنا بناء استراتيجية بشكل سريع وغير مكلف ومن روح المنظمة.
أي كيان (والكيان هنا يمكن ان يكون شخصا او مشروعا او منظمة او دولة) لابد له من مكونين أساسيين وهما المكون الجوهري والمكون المكتسب. والمكون الجوهري هو ما يتضمنه الكيان من صفات وخصائص ضمنية مخلوقة معه وبنفس السياق فان المكون المكتسب هو ما يكتسبه الكيان من خصائص وصفات.
المكون الجوهري مهم وهو الاساس في انطلاقة أي مشروع بل وإستمراريته ونموه وإتساعه. وميزة أخرى للمكون الجوهري أنه يمكن ان يكون في شخص واحد في المنظمة أو يكون في عدة أشخاص. يكفي لنجاح أي منظمة ان يكون شخصا واحدا يمتلك المكون الجوهري فيها. ليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص هو قائد المنظمة بل ممكن أن يكون أحد العاملين فيها.
هذا المكون الجوهري لا يمكن نقله او اكتسابه وإنما هي جواهر الارض تُلتقط ولا تُختلق. هذا المكون الجوهري هو الموهبة و يشكل العنصر الأساس من هوية الكيان. وقد تحدثنا بايجاز عنها في مقالاتنا السابقة (انظر المقالين الثالث والخامس). الموهبة هي هبة من الله يودعها في النفس لتعمل بلا كلل ولا ملل بسبب هذه الموهبة. وذكرنا ان رحلة اكتشاف الموهبة قد يطول ويقصر ولكنها رحلة تستحق المجازفة.
الموهبة هي الأساس في العمل وبالتالي هي الاساس في الكيان. فاذا كان صاحب الكيان لا يمتلك هذه الموهبة فان عليه استقطاب اصحاب موهبة يتسم بها الكيان او ترسم هويته. فلو أراد رائد الاعمال افتتاح مطعم فلديه مسارات مختلفة ليطرقها. اما مطعم ينافس ماهو موجود ويرغبه الغالبية فهو يعمل في اطار ماهو مرغوب الان واحتمالية نموه وتطوره محدودة فمثل هذا المسار يقع في خانة ما يصفه هذا المثل “كل فطير وطير”. عادة هذه المشاريع لا تحتاج الى موهبة وانما تحتاج الى مهارات مكتسبة. ومن امثلة هذا المسار الفوال ومطعم التميس …الخ. تحتاج الى المهارة الميكانيكية اكثر من المهارة الذهنية. السؤال هنا: الا يمكن تطوير مخبز التميس او الفوال بما يتماشى والمستقبل؟ هنا يأتي دور الموهبة وتحويلها للكيان ذات المكون المكتسب الى كيان ذات مكون جوهري وبهذا انتقلنا من خانة المنافسة الى خانة الابداع.
المسار الآخر هو تقديم شيئ مميز مختص وهنا إما يقدمه بشكل تقليدي او يقدمه كفانتازيا. وهنا يلعب الحظ معه فليس كل تقليدي منبوذ وليس كل فانتازيا مقبولة. في كلا الحالتين يحتاج للإبداع في إخراج أطباقه. والإخراج في حد ذاته يتألف من المكونات وطريقة الطبخ وطريقة العرض والتقديم. وهنا تلعب الموهبة الشيء الكثير. فان لم يكن لدى رائد الاعمال الموهبة المناسبة لإدارة هذا العمل فسيكون مصيره الفشل. والادارة هنا إما معرفة بالادارة التشغيلية والمالية ليمكن له ان يتحسس كل منتج وكيف يمكن ان يحقق أكبر عائد منه، او الادارة التنفيذية وهي الموهبة في الطبخ والتذوق والعرض. فان إعتمد على هاتين من خارج ذاته كان أقرب للفشل منه الى النجاح. اما اذا كان مُلماََ باحدي هاتين الموهبتين فحتما ستقوده إحداهما للأخرى وسيكون النجاح حليفه.
وفي المسار الأخير وهو ما يسمى بالامتياز التجاري (franchise) وهو ان تدفع لصاحب الامتياز التجاري جميع المصاريف والتكاليف ليقدم لك وصفاته وآلياته في العمل. وهنا لا ابداع فيه غير ان هناك فرصة بسيطة لتعلم أسرار العمل من خلال الامتياز التجاري وهذا يتطلب معرفة ومغامرة وتفحص لكل تفاصيل العمل.
الآن وبعد ان عرفنا المسارات المتوفرة بشكل عام لرائد الاعمال الذي يريد العمل في الاطعمة والمشروبات وقد بيّنا فيها أين يمكن استخدام الموهبة فيها، يمكن لرائد الاعمال ان يحدد موهبته ومواهب الفريق العامل لديه ويحدد كذلك ماهي المواهب المطلوبة من أجل تحقيق استمرارية في عمله.
لكل عمل مسارات مختلفة وعلى رائد الاعمال ان يبحث ويسال عن هذه المسارات لكي لا يقع في اخطاء مكررة او يصل الى طريق مسدود في مشروعه الرائد.
الموهبة تؤدي بالضرورة الى الهوية. فلا هوية لكيان ليس فيه مكمن جوهري أو موهبة. فما هوية مخبز التميس الذي يقدم الخبز التميس التقليدي. هي مهارة توارثتها الأجيال. لا هوية تميزه غير إسمه. أما اذا تحدثنا عن مطعم مختص في مجال معين ويقدمه بشكل احترافي او بشكل عملي فهناك ما يميز عمله وهناك موهبة وابداع في اداءه بشكل مختلف ولهذا ستكون له هوية مميزة.
ويبقى السؤال: هل الموهبة كافية لاطلاق مشروع ريادي الاعمال؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج الى معرفة الدور الذي يقوم به رائد الاعمال. لقد تعرفنا وفصلنا ان الاستراتيجية تأخذك من مكان ما في مجال العمل الى مكان مستقبلي أي من نقطة أ الى نقطة ب. أما رائد الاعمال فعمله يكون ماقبل نقطة أ! أي أن رائد الاعمال يقوم بكل ما يمتلك من خبرة ومعرفة للوصول الى نقطة أ ووضع المشروع على أول الطريق وعندها يكون المشروع جاهز لوضع الاستراتيجيات.
في هذا السياق تكون الموهبة مهمة جدا في إطلاق مشاريع رواد الأعمال. وغالبا تكون الموهبة هي المحفز والرافد لإستمرار المشروع ومواجهة التحديات والعقبات التي ذكرناها في مقال العقبات سابقا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال