الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يستغرق فهم الثقافة الاقتصادية سوى مجموعة من الكتب والنظريات والمقالات حتى تقف على خطه المستقيم الذي يندرج تحت مسمى الاقتصاد البسيط لغير المختصين ، بيد أن اتقان علم الاقتصاد المشتمل على مصطلحات و معادلات وبيانات وربطها بالتنبؤات التي تسبر غور العمق الفلسفي لهذا العلم وتحلل مشكلاته ونظرياته كانت على يد الفيلسوف والعالم الاقتصادي جون ستيوارت فهو الذي جذب الاهتمام نحو عمق فلسفة الفكر الاقتصادي بمنطق استقرائي عقلاني ومنهج تجريبي .
في اي علم هناك لاعبون رئيسيين ربما امتاز احدهم عن الآخر ولكن نجوميتهم تبهت في ظل الازدحام الفكري الغزير ، في الاقتصاد كعلم حديث هناك حالات فكرية نادرة لا تُستنسخ ، المجهود الفكري هنا يستأصل ويثبت من الذهول الى حد الاعجاب وفوق منزلة الأب الروحي أو العرّاب وهو في اعتقادي الشخصي جون ميل في وقت تشبعت نظريات الاقتصاد بالتحيز والاهواء والى تصوير الحلول على غير حقيقتها .
لكل منتج دليل ولكل مبنى بوابة فاذا كانت مقدمة في الاقتصاد للفريد مارشال البوابة والمصافحة الأولى لعلم الاقتصاد فإن التفاصيل الصغيرة والمهمة داخل هذا المبنى تعزى لجون ميل ذلك لأنها مجموعة من المفاتيح التي تدخلنا الى عمق وفهم الاقتصاد بأداة فلسفية فعندما تقرأ لجون ستيوارت ميل فأنت امام عمق اقتصادي فاخر تتجاوز به حدود الاطلاع العابر الى عصف ذهني واسئلة مفتوحة وتطوير الفكر الاقتصادي كرؤية خاصة نحو إدارة الأمور أخلاقيا وبأحكام قيمية بنسق فكري ومواقف ومشاعر متكاملة بين الافراد والمجتمع .
عاش طفولة قاسية خضع فيها كما يقول لمنهج التلقين المبرمج في تربيته حيث أشرف الفيلسوف جيرمي بنثام مؤلف كتاب مبادئ الاخلاق والتشريع على تربيته فتأثر ميل بفلسفته وأيضا بأفكار والده والذي يعد أيضا صديقا لبثنام وقد ألف والده كتابا عن تاريخ الهند انتقد فيه شركة الهند الشرقية عندما كان موظفا بها.
وكان ميل ( الطفل ) قد نضج قبل أوانه فقد درس اليونانية في عامه الخامس ثم اتقن اللغة اللاتينية في السابعة من عمره ثم درس التاريخ القديم وفي الخامسة عشر درس الحقوق وفي السابعة عشر ألف أول دراسة سياسية للنشر ، درس الاقتصاد السياسي على يد ريكاردو ، كان جون الابن الأكبر لوالده من تسعة اخوة وقد التحق بوالده موظفا معه في شركة الهند الشرقية في مكتبها بلندن وأصبح رئيسها عام 1856م ثم استقال احتجاجا على احتلال الهند ، عاش في الهند وجنوب فرنسا ، وفي وطنه الأم إنكلترا وألف ايضا كتاباً عن النفعية وترشح لعضوية البرلمان لمدة ثلاث سنوات 1865 الى 1868 وقد استفاد كثيرا خلال ذلك وتعرف على آليات صنع القرار واعداد القوانين والتشريعات وخاصة في الاقتصاد وهو أحدَ رواد الفكر الاقتصادي الكلاسيكي.
في عام 1830 تعرف ميل على السيدة تايلر ، وعاشا قصة حب دامت عشرون عاما لتتوج بالزواج في عام 1851 تمتعا حينها بحياة اسرية مملؤة بالحب والعواطف المتميزة والسعادة والتي منحته هذه الحياة الدافعية نحو تعظيم أفكاره وتبني القضايا الإنسانية والاجتماعية التي كانت محل اهتمامه على الدوام ، وعندما توفيت زوجته في عام 1858، عاش حياته في عزلة وتفرغ للقراءة والكتابة في منزل صغير في إحدى ضواحي آفينيون وما لبث حينها أن اعاد اصدار اعمال بنثام ووالده في مجلدات ، يؤمن بالمنافسة والتجارة الحرة ويعد نصيرا للمساواة والعدالة ، يعد جون ستيوارت ميل أول من خلط بين عمق المنطق الفلسفي والاقتصاد في كتابه الشهير مبادئ الاقتصاد السياسي عام 1848 حيث جعل الفلسفة منهجاً لفهم الاقتصاد والتعمّق فيه بتوليفة حديثة ، وألف ايضا كتاباً عن النفعية ومن اصدق ما قاله ميل : أي حركة عظيمة تمر بثلاثة مراحل: الاستهزاء ، ثم المناقشة ، ثم التبني.
يرى جون ستيوارت ميل .. بأن السعادة كحالة مستمرة وممتعة للغاية أمراً مستحيلاً فحالة اللذة العالية تستغرق لحظات فقط وفي بعض الحالات ساعات او أيام .. اي انها حالة عرضية ! ويضيف بأن الكثير يشعرون بالرضا في مقابل الحصول على القليل جداً من اللذة وبعضهم قد روض انفسهم على كمية كبيرة من الألم ! ويقول إن الذي يجعل الحياة غير مرضية هو انعدام الثقافة الفكرية ويقصد بالفكر الذي وصل الى درجة مقبولة من التعليم ! ويرى أيضاً ان الفقر المؤدي الى الألم بالإمكان إخماده بفضل حكمة المجتمع والحس السليم للأفراد ، وإن الاعتقاد الذي يقتل المنفعة كمبدأ أعظم سعادة كأساس للأخلاق هو اعتقاد يقر بأن الأفعال تكون خيّرة بقدر ما تتوق لتحقيق السعادة وتكون سيئة بقدر ما تتوق لإيجاد نقيض السعادة ويقصد بالسعادة اللذة وغياب الألم ويقصد بالشقاء الألم والحرمان من اللذة .
وهو أحد رواد النفعية ومن مؤسسي المذهب النفعي ، ينظر جون ستيوارت ميل للتنمية الاقتصادية كوظيفة للأرض والعمل ورأس المال حيث يمثل العمل والأرض عنصرين أصيلين للإنتاج في حين يعد رأس المال تراكمات سابقة لناتج عمل سابق، ويتوقف معدل التراكم الرأس مالي على مدى توظيف قوة العمل بشكل منتج فالأرباح التي تكتسب من خلال توظيف العمالة غير المنتجة مجرد تحويل للدخل وفي التجارة الدولية يركز ميل على إسناد الميزة النسبية إلى ميزة كفاءة العمل النسبية ، أي إنتاجية العمل ولد ميل في 20 مايو 1806 وتوفي في 8 مايو 1873 (عن عمر ناهز 66 عاماً) بمدينة افينيون بفرنسا .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال